الرئيسية / تحرير: مسألة شرط الإمام مسلم رحمه الله في السماع واللُّقيا والمعاصرة (تفريغ) / الجزء (6) تحرير مسألة شرط الإمام مسلم في السماع واللقيا والمعاصرة (تفريغ)
2025-12-25
الجزء (6) تحرير مسألة شرط الإمام مسلم في السماع واللقيا والمعاصرة (تفريغ)
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
وما زلنا في تبيين مسألة السماع واللقاء بين الراوي وشيخه، وبينا بأن هناك أسانيد بالعنعنات منها متصلة ومنها منقطعة.
فالمتصلة كما بينا لها شروط بيناها، وهذا كما نقل ابن عبد البر رحمه الله تعالى في كتابه التمهيد وغيره من العلماء أنه لابد من المشاهدة والمجالسة والسماع واللقاء، ولا يكفي المعاصرة وعدم التدليس بين الراوي وبين شيخه.
ورددنا على المقلدة الجهلة وعلى المتعالمين في هذا الأمر، الذين وقعوا في أحاديث كثيرة ضعيفة منقطعة وأفتوا بها في دين الله سبحانه وتعالى، فأضلوا أنفسهم وأضلوا العوام الذين يأتون من جهتهم.
وكذلك يعني المنقطعة كذلك لها شروط لكي نبين أن هذا الإسناد منقطع، هذا الذي بينه كذلك أهل العلم وبينا هذا، وهذا الجزء السادس في مسألة اللقاء والسماع بين الراوي وبين شيخه.
ومن تأمل وعرف وفقه كلام أهل العلم، أهل الحديث في ذلك، عرف أن هناك أسانيد متصلة وأسانيد منقطعة. والذي بيناه في الدروس التي سلفت أن الإمام مسلم مع أئمة أهل الحديث في إثبات المجالسة والمشاهدة واللقاء والسماع، لكن هناك بعض الأحاديث بسبب الاجتهاد منه وقع في خطأ وهذا بشر يخطئ ويصيب، وما في يعني على وجه الأرض إنسان إلا يخطئ ويصيب.
فهؤلاء المقلدة في الحديث يريدون أن يجعلون الإمام مسلما لا يخطئ ولا يصيب، أما بقولهم فإن يقولون إنه يخطئ ويصيب، لكن بلسان حالهم وبأفعالهم أن الإمام مسلما لا يخطئ.
وأكبر دليل كل الذين كتبوا في ذلك يقولون: إنه بشر يخطئ ويصيب ونحن نقر بذلك، ونقر أن في صحيحه الشيء الضعيف والمنقطع، ويحتجون بأقوال أئمة الحديث في هذا الأمر كشيخ الإسلام ابن تيمية وغيره، ويعلنون هذا ويقولون: أن الأئمة هؤلاء ضعفوا أحاديث في صحيح مسلم. لكن عند يعني بلسان حالهم أنه لا، وهذا تناقض، ما دام أنتم تقولون: إنه يخطئ ويصيب فلابد أن يقع في صحيحه الشيء الخطأ وأحاديث ضعيفة وأنتم تقرون.
ثم في تبيننا نحن عن الإمام مسلم في صحيحه، لا يلزم أن هناك أحاديث كثيرة ضعيفة عند الإمام مسلم في صحيحه كما تزعمون، فتدعون أننا نحن نضعف أحاديث كثيرة بقولنا هذا في صحيح مسلم، وهذا من جهلكم.
لو أنتم تعلمتم علم الحديث والعلل والتخريج لعرفتم أن قولكم هذا باطل، لأن لا يلزم مما ذكرنا في الدروس التي سلفت أن يكون الشيء الكثير من الأسانيد منقطعا عند مسلم، لأن الإمام مسلم بينا أنه يرى ما يراه الأئمة في الشروط التي ذكرناها ويرى بالسماع واللقاء إلا في بعض الأحاديث، وبينا أن هناك بعض الأحاديث الضعيفة والمنقطعة في صحيحه.
وبين أهل العلم هذا الأمر وأئمة هؤلاء، فأين أنتم وأين هؤلاء الأئمة؟ والعجيب أنهم يجعلوننا أننا نحن نتكلم في هذا الشيء، وأن ما في أحد تكلم، وهذا مرادهم الغمز والحقد والغل في قلوبهم، وإلا الأئمة تكلموا على الكتب كلها ليس فقط كتاب الإمام مسلم، على كتاب الإمام البخاري، على سنن أبي داود، سنن النسائي، سنن الترمذي، ابن ماجه وغير ذلك من الكتب، وبينوا أن هناك أحاديث ضعيفة فيها وفيها أحاديث صحيحة.
وهذا الأمر يعني معروف عند أهل الحديث، وهؤلاء المتعالمون من حقدهم وجهلهم ومعاداتهم لأهل الأثر يغمزوننا بذلك. وهذا يدل على حقدهم أصلا وإلا ما عندهم شيء، وكلام الأئمة على الأحاديث سواء في صحيح مسلم أو غيره موجودة.
ولذلك في هذا الدرس نتكلم عن يعني بعض الأمثلة في مسألة السماع، وأن الراوي لم يسمع من شيخه وهذا أمر معروف.
وبعض الجهلة جعل قول الإمام مسلم في بعض الأسانيد المنقطعة بقول الأئمة وأن ذلك إجماع، وهذا من جهله وغباوته في هذا الأمر، وإلا هذا يدل على أنه لم يتعلم علم الحديث ولم يدرس على مشايخ أهل الحديث السنوات الطويلة والتفرغ وممارسة التخريج والعلل وغير ذلك، فهذا وأشكاله يأخذون كلمة هنا وكلمة هناك وسطر هنا، ويقرأون في هذا الكتاب من كتب أهل الحديث وفي هذا الكتاب وهكذا، فارتكزوا في أخطاء كثيرة حتى أن يقرأ كلام الإمام مسلم ولم يفهمه في المقدمة، وكذلك يدل على جهله في الكتب الأخرى أنه لا يعلم بها ويقر بذلك بقوله أين هذا الكلام وهذا الكلام؟ رغم أن كتب أهل الحديث كثيرة.
وهذا يدل على جهله بعلم الحديث، ولله الحمد نحن الآن من أكثر من خمس وثلاثين سنة في علم الحديث والعلل، وأخذنا العلم على الطريقة السلفية في المساجد وهي عشر سنوات، وأخذنا التفسير من شيخنا الشيخ محمد بن صالح العثيمين، وكذلك الفقه، وكذلك الحديث، ومصطلح الحديث، والفرائض والنحو، والتوحيد والاعتقاد، وأصول التفسير وأصول الفقه وغير ذلك.
فيأتي متعالم ما عنده شيء من حقده يغمز ويهمز، وبهمزة وغمزة يرتكز في أباطيل كثيرة وهو لا يشعر، تدل على جهله، تدل على جهله فيجمع أشياء من رأسه لا يدركها ولا يدري ما يخرج من رأسه، فيجعل السنة بدعة والإجماع اختلاف، والذي خالف الإجماع أو الشرط الذي خالف الإجماع يجعله إجماع وهو غلط.
ويذكر عن الأئمة كشعبة بن الحجاج وغيره من الأئمة على الإجماع على أن السند إذا كان الراوي عاصر شيخه ولم يكن مدلسا يحمل على السماع، عاد ما أراد هذا الجاهل إلا شعبة بن الحجاج؟ .
الذي تتبع الرواة المدلسين وتتبع الأسانيد المعنعنة وتتبع التلميذ ماذا يروي عن شيخه، وكان يتتبعهم في هذا ولا يروي إلا ما سمع الراوي من شيخه حتى لو مرة أو مرتين. ويدل هذا أن الإمام شعبة رحمه الله تعالى يثبت السماع ليس مجرد المعاصرة، وكان يرد أسانيد كثيرة من المعنعنات إذا لم يثبت السماع.
أما إذا ثبت السماع عنده بين الراوي وبين شيخه وعنعن في موضع وفي موضع آخر صرح بالتحديث، يحمل هذه العنعنة على السماع، لأن تتبع هذا الراوي وعلم أنه ثبت السماع منه لا مجرد العنعنة.
وهذا الجاهل يجعل هذه العنعنة التي تكون بمجرد ذكرت المعاصرة وعدم التدليس بالإجماع عليها، ولم يفهم كلام الإمام مسلم في هذا، ويقول: أن الإمام مسلم نقل الإجماع في هذا الأمر ولم يفهم كلام أهل العلم، ولذلك ليس كل واحد يقرأ الكتاب يفهم كلام هذا المؤلف أو يفهم هذا الكلام، فهذا علم الحديث لا يفهمه إذا قرأ كتابا إلا من درس علم الحديث والعلل وغير ذلك.
وبينت أنا في كتابي النجم الوهاج في المقدمة هذا الأمر، لا يعرف علم الحديث ويفهم كلام أهل العلم إذا قرأه في كتبهم إلا إذا درس علم الحديث وإلا ما يفهم، يفهم بالعكس.
ولذلك هذا الجاهل ارتكز في أشياء كثيرة من الجهل، ونقرأ عليكم هذا الأمر.
يقول الإمام الترمذي رحمه الله تعالى في «سننه»: (لا نعرف لأبي قلابة سماعا من عائشة، وقد روى أبو قلابة عن عبد الله بن يزيد رضيع عائشة رضي الله عنها غير هذا الحديث، فهذا نفي للعلم بالسماع معللا بقرينة ذكر الواسطة)، وهذا الأمر كذلك انظره في «تحفة الأشراف» للمزي (ج3 ص43).
فالآن الإمام الترمذي يذكر هذا رغم أنه وجدت العنعنة، لكن بين العنعنة بين أبي قلابة وبين عائشة رضي الله عنها، ويروي عنها وهو ثقة. لو هذا المقلد الجاهل الذي يدعي الإجماع على هذا الأمر لو رأى هذا الإسناد لصحح الإسناد من جهله واعتمد الحديث وتعبد الله بالغلط وبالبدع.
وهذا الأمر: (لا نعلم لأبي قلابة سماعا من عائشة)، وبين العلة لماذا؟ لأن هناك واسطة، وأبو قلابة ليس بمدلس على حد زعمه بل زعم كل المقلدة الآن الذي تكلموا علينا في هذا الأمر، يقولون: أن إذا الراوي روى عن شيخه وعاصره ولم يكن مدلسا تحمل هذه العنعنة على السماع، فوقعوا في أحاديث كثيرة ضعيفة سواء في السنن أو في غير ذلك، وبعض الأسانيد في صحيح مسلم، وكذلك بعض الأسانيد في صحيح الإمام البخاري.
والعجيب من هؤلاء أنهم إذا ذكرت لهم ذلك عن الإمام مسلم على طول يذهب إلى ما في رأسه من التقليد ويقول: أن شرط الإمام مسلم غير وشرط الإمام البخاري غير وأن الإمام البخاري يرى كذا ويرى كذا، وهذا من جهلهم، رغم أنه ما في خلاف بين الإمام مسلم وبين الإمام البخاري لأن الإمام مسلم مع الأئمة كلهم، مع الإمام البخاري مع ابن المديني وغير هؤلاء العلماء، لكن أخطأ في بعض الأسانيد.
وهم يريدون ألا يدفعون أي إسناد في صحيح مسلم، وهذا ما يكون أصلا للمقلدة، لأن الأئمة القدماء وكذلك المتأخرين نهوا هذا الأمر وبينوا أن هناك في صحيح مسلم أحاديث ضعيفة، وفي صحيح البخاري أحاديث ضعيفة، وهناك أحاديث في سنن أبي داود وسنن الترمذي وسنن ابن ماجه وسنن النسائي وغير ذلك من الأسانيد.
فلذلك الأمر منتهي أصلا، فلا حاجة إلى قيل وقال في هذا الأمر، وأثبتوا ذلك بالأدلة وهذا الأمر من ذلك. فنفى العلم بالسماع معللا بقرينة ذكر الواسطة.
هذا مع قول الإمام الدارقطني رحمه الله تعالى في «العلل» يقول: (أبو قلابة عن عائشة مرسل)؛ يعني: منقطع.
وبينت لكم في الدروس التي سلفت لا يكفي بين الراوي وبين شيخه أن لا يكون مدلسا ويكفي المعاصرة وعدم التدليس، لا، فالإرسال كان شائعا في العصور المتقدمة والمتأخرة، وهناك من الرواة من يرسل عن شيخه أو عن الراوي، وهذا الإرسال لم يفهمه المقلدة الآن في هذا الزمان فارتكزوا في أسانيد منقطعة ضعيفة كثيرة ينظرون إلى الظاهر، الإسناد، وإلى ظاهر الأسانيد ويحكمون عليها بالصحة، حتى كثير من المقلدة يقولون: وهذا سنده صحيح على شرط مسلم أو على شرط الشيخين أو على شرط البخاري أو على شرط أبي داود وإلى آخره، وما يدري هؤلاء أن هذه الأسانيد منقطعة وفيها أسانيد منقطعة وفيها أسانيد صحيحة.
وانظر إلى التخاريج في هذه الكتب، الشيء الكثير، فاحذر تخاريج المقلدة في الحديث، ولذلك بينت أنا في كتبي الأشياء الكثيرة في الردود على هؤلاء، وأنا الآن أخرج بعض الكتب يعني ككتب شيخنا الشيخ محمد بن صالح العثيمين، وكذلك الشيخ الألباني ونأتي على بعض الكتب في هذا الأمر فيها الشيء الصحيح وفيها الشيء الضعيف.
وبين الإمام الشافعي بإسناد حسن كما أخرج ذلك البيهقي في مناقب الإمام الشافعي: أن أبى الله سبحانه وتعالى لا يصح إلا كتابه، ما في إلا القرآن يصح، بقية الكتب فيها الشيء الصحيح وفيها الشيء الغلط والخطأ ولابد، وإلا هؤلاء يساوون بهذه الكتب بكتاب الله ولا يشعرون، وكيف هلك اليهود والنصارى وغيرهم إلا بوضعهم لهذه الكتب وأن هذه الكتب كلها صحيحة ليس فيها شيء من الخطأ.
وبينت لكم يزعمون أن هذه الكتب فيها الأشياء الصحيحة وفيها أشياء الغلط، فإذا انتقدنا الشيء الغلط قالوا: لا، هذا له شرط كذا وهذا له شرط كذا وهذا الشرط يختلف وهذا الشرط يختلف وإلى آخره، كله تقليد.
ويقول الإمام الترمذي رحمه الله تعالى في «سننه»: (هذا حديث ليس إسناده بمتصل، ربيعة بن سيف إنما يروي عن أبي عبد الرحمن الحبلي عن عبد الله بن عمرو، ولا نعرف لربيعة بن سيف سماعا من عبد الله بن عمر)؛ يعني: الإسناد منقطع.
فهذا الإمام الترمذي يبين هذا الأصل، وهذا يعني الأمر معروف عند أهل الحديث، فربيعة هذا لم يسمع من ابن عمرو رضي الله عنهما فالإسناد منقطع، فانظر كيف جزم أولا بعدم الاتصال وبين قرينة ذلك ثم عاد لنفي العلم بالسماع، وهذا ما أوضح ما يكون في عدم السماع بين الراويين في الحديث، وانظر تحفة التحصيل للعراقي.
فهذا الإمام الترمذي يبين هذا الأمر، فأين هؤلاء المقلدة في هذا العصر؟ وأين هؤلاء الأئمة؟
فجزم أولا: بعدم الاتصال، لكي لا يأتي مقلد ويدعي أنه لم يقل يعني غير متصل، قال: فقط عدم السماع، ولا يلزم أن هذا كذا وكذا كما قالوا من قبل.
فأولا: جزم بعدم الاتصال، هي الضربة الأولى للمقلدة، وبين بعد ذلك القرينة والعلة؛ لأن يزعم هؤلاء أحيانا في بعض الأسانيد التي انتقدناها أن ما في دليل على هذا الانقطاع، رغم أن أهل العلم يخفون العلة ولا حاجة أن تذكر أصلا، والحجة لا حاجة؛ لأن الحجة هذه في موضع آخر ذكرت، كالإمام البخاري يذكرها في مواضع، كالإمام الترمذي، كالإمام أبو حنيفة، كالإمام الدارقطني لهم كتب، فهنا لا حاجة، ومع هذا ذكر لهم القرينة في ذلك.
ثم عاد لنفي العلم بالسماع، وهذا من أوضح ما يكون في عدم السماع بين الراويين في الحديث. يعني: هناك أسانيد منقطعة.
ولذلك الشيخ مقبل الوادعي رحمه الله تعالى ألف كتاب في هذا الأمر، وبين أن هناك أسانيد ظاهرها الصحة وهي منقطعة ومعلة في علم الحديث.
وهذا الشيء الكثير وأنا أضرب لكم أمثلة بعد ذلك أنتم تطلعون على هذه الكتب واطلعتم على كتب كثيرة في هذا الأمر.
وقال الإمام الترمذي رحمه الله تعالى في «سننه»: (لا نعرف لزيد بن أسلم سماعا من أبي هريرة رضي الله عنه وهو عندي حديث مرسل).
فنفى العلم بالسماع ثم جزم بالإرسال، وهذا يدل على أن لا يكفي المعاصرة بين الراوي وبين شيخه وعدم التدليس، ما يكفي هذا. نقول: له هناك شيء لم تعلمه أنت وهو الإرسال، وشيوع الإرسال كان موجود في القديم والحديث.
وضربت لكم أمثلة في هذا حتى في هذا العصر بين الناس عموما دنيويا، فهذا لم يسمع من هذا وهذا ينقل من هذا، فإذا قلت له سمعت منه؟ يقول: لا.
حتى أن الزوج مع زوجته ممكن أختها تقول: إن زوجك يقول كذا، تقول: لم أسمع، رغم أنهم في بيت واحد. وهكذا في المنطقة أناس لم يسمعوا من أناس الأمور الدنيوية، فهذا ينكر سماع هذا، في البلد كذلك، حتى أن ممكن في المنطقة لم يرى الشخص هذا الشخص، وهم من بلد واحدة أو من منطقة واحدة وهكذا.
وهذا أمر معروف لكن هم هؤلاء أصحاب الأهواء يريدون أن يردون أي شيء يفعله أهل الحديث، وإلا هذا الأمر موجود، الإرسال شيوع الإرسال، ولذلك لم يكتب أحد منهم في هذا الأمر، فقط أن شرط الإمام مسلم المعاصرة وعدم التدليس ويكفي، رغم أن الإمام مسلم ليس هذا شرطه، هذا في بعض الأسانيد، وإلا في غالب كتابه موجود شرط السماع والاتصال والمجالسة والمشاهدة كما بينت لكم في الدروس التي سلفت.
ولذلك ما استطاعوا أن يردوا على ما كتبناه في إسناد صوم يوم عرفة، وحديث صوم عرفة إلا هذا: أن شرط الإمام مسلم المعاصرة وعدم تدليس الراوي، وكذبوا على الإمام مسلم وهو بشر يخطئ ويصيب.
والذي انتقد الإسناد صوم يوم عرفة أعلم من الإمام مسلم، ولا يستطيع هؤلاء أن يتكلموا عليه، وهو الإمام البخاري ضعف الإسناد الإمام البخاري، إمام في الجرح والتعديل، وكذلك الذي ضعف الإسناد الإمام العقيلي والإمام ابن عدي، وكذلك الإمام العراقي والإمام محمد بن طاهر والإمام المقريزي وغير هؤلاء.
هؤلاء الذي تكلموا على هذا الإسناد، وهذا الأمر يعرفه أهل الحديث. ويدعون أنني أنا ضعفت فقط هذا الإسناد، والذي ليس عنده علم الحديث فجزاؤه الجهل، ولم يتعلم على علماء الحديث في هذا العصر فجزاؤه الجهل، ما دام راكب رأسه إلا يتعلم عند أصحاب الجمعيات الحزبية ورؤوس الجماعات الحزبية والحلقات ثلاثة أيام وأربعة أيام وأسبوع، فجزاؤه الجهل.
ولذلك هؤلاء أصحاب الشهادات الدكتوراه والماجستير والجامعية أجهل الناس بكتاب الله وسنة النبي صلى الله عليه وسلم، وبينت هذا في كتابي «ذم الدكتوراه»، ولا عندهم شيء ما عندهم إلا التقليد، التقليد المذهبي والتقليد الحزبي وبس.
ولا تظن أن هؤلاء سوف يبحثون ويقرأون على ما تربوا عليه وعلى ما علموه من عشرين سنة أو ثلاثين سنة أو عشر أو أقل أو أكثر، هذه المعلومة صحيحة عندهم وهذا الحكم صحيح عندهم وهو غلط، وهذا الحديث عندهم صحيح وهو ضعيف وصححه فلان وعلان وإلى آخره، ولا يرجعون ولا يتوبون، ولا يبحثون، رغم أن المسائل التي يبينها أهل الحديث في هذا العصر كلها مدونة في الكتب وتكلم عليها أهل الحديث قديما وحديثا والأئمة، لكن هؤلاء ما يقرأون.
ولذلك أول ما بينت عن ضعف حديث صوم عرفة في صحيح مسلم، قالوا: ما في إلا أنا ضعفت الحديث، وأنا أحيانا في الحقيقة لا أذكر عالما ولا كتابا ولا غير ذلك، أتركه هكذا حاسرا، كلاما حاسرا.
ننظر ماذا يقول القوم في العالم المتأخر هذا، وسوف يقولون: خالف الإجماع وشذ وما في أحد قال وإلى آخره. نتركهم أسبوع أسبوعين شهر شهرين ثلاثة، يطلقون كل أسلحتهم، حتى ما يبقي لهم ولا سلاح عندهم خلاص نفذ كل شيء عندهم وحججهم وإلى آخره. بادرناهم بهذه الكتب وأقوال أهل العلم الذي تكلموا على هذا الإسناد أو هذا الحديث أو هذه المسألة أو إلى آخره، فتفاجأ القوم أن هذه الأقاويل وهذه الأحاديث تكلم عليها علماء جهابذة حجة عندهم، ماذا بعد ذلك؟
إلا العناد والإصرار، يتأولون ويحرفون ويكذبون على الأئمة وأن مراد الإمام هذا كذا وإلى كذا، ثم بعد فترة بالردود عليهم يقرون أن هذا الكلام صحيح لكن نحن نرجح قول فلان. لماذا لم تقولوا من قبل هذا الكلام؟ بعد تسع سنوات من الحرب القائمة معكم أو ثمان سنوات أو سبع سنوات تقولون الآن هذا الكلام؟
ولذلك أقروا أن الإمام البخاري والأئمة ضعفوا إسناد صوم عرفة، هذا الذي نريده ترجحون أنتم ما تشاءون هذا شيء راجع لكم، لكن كان من ثمان سنوات تقولون: ما في أحد قال بذلك، وأن خالفنا الإجماع وما في أحد يضعف هذا الحديث، وهذا يدل أن هؤلاء لم يبحثوا.
والآن يقرون بذلك، ويقرون أن أئمة أهل الحديث لم يروا صوم عرفة، وأن يوم صوم عرفة كيوم عيد الأضحى والفطر يحرم صومه، ونقلنا لهم هذا الأمر فتفاجأ القوم، فأين الإجماع؟
ما في إجماع. بعد ذلك عندما رأوا هذا الأمر قالوا: لا الراجح سنية صوم عرفة. فترجحون ما تشاءون، لكن الآن المسألة، مسألة قلتم من ثمان سنوات: أن صوم عرفة هذا لم يضعفه أحد ولم يقل به أحد بتحريمه ولا بعدم سنيته وإلى آخره، فالآن يقرون.
ولذلك بينا في السنة أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يصم صوم عرفة ولا الصحابة وأكثر أهل الحديث على تحريمه وهو موجود وهذا هو الراجح، ترجحون أنتم رجحوا، لأن أصلا أنتم أقاويلكم كلها مرجوحة أكثرها كلها تقليد، فلذلك لينتبه أهل الحديث في هذا الزمان.
فهذا الإمام الترمذي يبين هذا الأمر.
ويقول الإمام النسائي رحمه الله تعالى في «المجتبى»: (هذا الحديث عندي مرسل وطلحة بن يزيد لا أعلمه سمع من حذيفة رضي الله عنه شيئا).
فهذا الإمام النسائي يبين شيئا، هذا نفي يعني بالكلية ما سمع منه، فكيف ما يكون هناك أسانيد مرسلة؟
فلا يكفي أن الراوي غير مدلس وعاصره ما يكفي، لأن في إرسال شيوع الإرسال قديما، فلابد أن يكون سمع منه لكي ننفي الإرسال والانقطاع.
ويبين الإمام النسائي يقول العلاء بن المسيب قال في هذا الحديث عن طلحة عن رجل عن حذيفة في هذا الإسناد، يبين أن هناك علة، فبين طلحة بن يزيد وحذيفة رجل مجهول، وهو يروي عن حذيفة بالعنعنة بدون ذكر هذا الرجل المجهول، فكيف تعرف أنت أيها المقلد هذا الأمر إذا ما ترجع إلى أهل الحديث وتسألهم {فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون} [النحل: 43]، فإذا لم ترجع إلى أهل الحديث فسوف ترتكز في عبادتك بالأحاديث الضعيفة الكثيرة وكيفك.
وهذا الإمام عبد العزيز النخشبي يقول: (لا نعرف سماع سلامة من علي بن أبي طالب رضي الله عنه والحديث مرسل)، فيبين أن هناك انقطاع ولم يسمع منه. وهناك في الكتب عدم السماع الشيء الكثير في كتب أهل الحديث الصحاح أو المسانيد أو الجوامع أو السنن أو غير ذلك.
وهذا كلام الإمام عبد العزيز ذكره العراقي في تحفة التحصيل.
ويقول الإمام البزار محمد بن المنكدر لا نعلمه سمع من أبي هريرة، ثم قال في آخر الباب: (وقد ذكرنا أن محمد بن المنكدر لم يسمع من أبي هريرة رضي الله عنه)، نقله عنه ابن القطان في «بيان الوهم والإيهام» (ج2 ص 397). فمحمد بن المنكدر لم يسمع من أبي هريرة، ولو رأى الإسناد المقلد لصحح الإسناد، فليتعبد هؤلاء بالبدع.
قلت: ألا تراه ينفي العلم بالسماع ثم يبين أنه استفاد من ذلك الحكم بالإرسال وعدم الاتصال، أن لم يسمع منه لأنه مرسل ويرسل، وهذا الشيء الكثير في كتب أهل الحديث.
والعلماء قد ينفون العلم بالسماع للشك في المعاصرة أصلا، بل ربما مع العلم بعدم حصول المعاصرة، فممكن يأتي عالم يقول: الراوي هذا عاصر ذا الراوي ولم يعاصره، وهذا بيناه كثيرا في الدروس.
وكتب أهل الحديث موجودة وتكلمت عن هذا الأمر ككتاب التهذيب لابن حجر، وتهذيب الكمال للمزي، وميزان الاعتدال للذهبي، والعلل لابن أبي حاتم، والعلل للدارقطني، وهناك كتب كثيرة تكلمت عن هذا الأمر.
ويقول الإمام البخاري رحمه الله تعالى: (إبراهيم بن محمد بن طلحة قديم ولا أدري سمع منه عبد الله بن محمد بن عقيل أم لا)، نقله عنه الترمذي في «العلل الكبير» (ج1 ص 187).
فهذا الإمام البخاري يبين هذا الأمر (ولا أدري سمع)، يعني: لم يسمع.
وقال الإمام البخاري في «التاريخ الكبير» (ج1 ص 32): (لا نعرف لمحمد بن أبان سماعا من عائشة)، فالإسناد منقطع، مع كون محمد بن أبان من أتباع التابعين، أي: مع عدم المعاصرة، وهذا يدل... هذا محمد بن أبان يروي عن عائشة رضي الله عنها وهو من أتباع التابعين يعني: لم يعاصر عائشة، المقلد يصحح ويظن أنه عاصر عائشة رضي الله عنها، فلذلك ننتبه لهذا، وما أدراك أنه عاصر أنت جالس معاه؟
ويقول لك: فلان عاصر فلان على بناء عالم اجتهد في هذا الإسناد وأن من شرطه في بعض الأسانيد المعاصرة، وأخطأ في هذا، والكل يخطئ ويصيب، ما في عندنا المعصوم إلا النبي صلى الله عليه وسلم، المعصومون الأنبياء والرسل، من أبي بكر رضي الله عنه إلى آخر واحد من الأمة يخطئون ويصيبون ما في.
وإلا في أشياء من الصحابة أنفسهم بينوا لأبي بكر الصديق رضي الله عنه ما أخطأ فيه، وكذلك عمر، وابن مسعود عن أبي موسى الأشعري، وهكذا كما بين ابن عبد البر رحمه الله تعالى في جامع بيان العلم، الصحابة يردون بعضهم على بعض، لماذا؟
لأنهم يخطئون ويصيبون، وهذا مدون وبينت هذا في كتابي «العقود اللؤلؤية» وبينت الآثار وكذلك الأضواء الأثرية في إنكار العلماء بعضهم على بعض وكذلك الصحابة، أنهم بشر يخطئون ويصيبون، الكل.
والا إذا قلنا: إن في الأمة شخص ما يخطئ ولا يصيب فهذا جعلناهم مثل النبي صلى الله عليه وسلم. لا انظر إلى هذا «الشرفي العلفي»، هذا لابد عليه يروح يبيع علف عند بيتهم ويعلف مع البهائم، يدعي أن في الأمة أو الأمة هذه من يعني إن الله سبحانه وتعالى يتفضل عليهم بتكفير السنة الماضية والباقية، يعني: يكفر الله سبحانه وتعالى لهم ما تقدم من ذنبهم وما تأخر، ويدعي هذا، ويدعي أن ذلك صحيح أن فضله واسع، لكن أنت لم تفهم هذا النص ولم تفهم كلام أهل العلم أن فضل الله واسع، وتدعي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأهل بدر: «افعلوا ما شئتم فإني غفرت لكم»، يقول، وهذا يقول: يدل على أن الأمة الله سبحانه وتعالى يغفر لها ما تقدم من ذنبها وما تأخر لهذا الحديث، وأن أهل بدر الله سبحانه وتعالى غفر لهم ما تقدم من ذنبهم وما تأخر.
انظر إلى هذا الجهل وهذا التعالم، ولذلك هذا لا تقول لهم متعالمون أو تقول لهذا الشخص متعالم، هذا غلاة المتعالمين الآن، وهذا من غلاة المتعالمين انظر إلى وصل بهم التعالم إلى أين؟ ومراد النبي صلى الله عليه وسلم في هذا وبين أهل العلم في هذا الحديث «افعلوا ما شئتم فإني غفرت لكم»، أن الغفران يوم القيامة يا «العلفي»، ليس بالغفران في الدنيا، وأكبر دليل ماذا؟
قولوا لنا عن الحجة، أن هذا كلامه باطل، ما هو الدليل والحجة في ذلك؟ يعني: أن الله أقام عليهم الحدود إذا أخطأوا، مثل مسطح وغيرهم وغيرهم الذين قذفوا عائشة. هذا الغفران المذكور من قول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث المعروف هذا الغفران في الآخرة وأن الله سبحانه وتعالى غفر لهم في الآخرة، وهذا معروف عن الصحابة.
أما في الدنيا فلا، لأن إذا جعلنا هذا ساووا النبي صلى الله عليه وسلم، وهذه من خصوصيات النبي صلى الله عليه وسلم أن الله سبحانه وتعالى غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، فاحذر شبه هؤلاء غلاة المتعالمين الآن، فإنهم يقولون أشياء تخرج من رؤوسهم ما في عليها أي دليل.
ولذلك الله سبحانه وتعالى ما تركهم أن لا تقام عليهم الحدود إذا أخطأوا، قامت عليهم الحدود في أشياء كما هو معروف، ولم يغفر لهم في هذا الأمر، يعني: النبي لم يتركهم. وهذا يدل على أن الغفران هذا الذي ذكره النبي صلى الله عليه وسلم هذا في الآخرة.
كذلك حديث عثمان بن عفان رضي الله عنه «ما ضر عثمان ما فعل بعد هذا اليوم»، هذا حديث ضعيف أولا، ثم هذا غفران ذنوب عثمان رضي الله عنه في الآخرة، لو كان عليه حد هل يغفر له؟ هل يتركه الرسول؟
لا، حتى بين النبي صلى الله عليه وسلم أن فاطمة رضي الله عنها لو سرقت لقطع النبي صلى الله عليه وسلم يدها، وهذه كلها أدلة ترد على هذا «العلفي».
ولذلك قلت لكم ابتداء هذا فليذهب يبيع العلف أفضل له أن يتكلم، لا هذا خطيب بعد ويخطب أحيانا. فلتنتبه لهذه الشبه، فغفران الذنوب للصحابة رضي الله عنهم هذا يوم القيامة أما في الدنيا فلا.
ولذلك يقول: ما هو المانع إن الله يتفضل على هذه الأمة ويغفر لها ما تقدم من ذنبها وما تأخر، انظر إلى جهله هذا، وهذه من خصائص النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا بالإجماع، وهذا خالف الإجماع هذا العلفي، وهذا آثم وتجري عليه الآثام إلى أن يسكت ويتوب، أما يسكت ولا يتوب لا تجري عليه الآثام ما في، هذا غلاة المتعالمين الآن، وهذا ما قال هذا الكلام إلا وصل به التعالم إلى الغلو، وهم كثر الآن، فلتنتبه لشبه هؤلاء، والأمر خطير جدا.
على كل حال يعني في أشياء كثيرة هنا و«النجم الوهاج» هذا بيقع في مجلد كامل وفيه الأمثلة عدم سماع الراوي عن شيخه من كلام الأئمة، وهذا رد على هذا المقلد الذي يزعم إذا قلنا بهذا سوف نرد عنعنات كثيرة في صحيح مسلم.
ونحن قلنا: في بعض الأسانيد وفي أشياء كثيرة العنعنات تحمل على السماع هذا الذي بيناه، لكن هذا جاهل ما يدري ما يخرج من رأسه، فلتنتبه لهذا.
وفي الحقيقة يعني هذا الجزء السادس في هذه المسألة ويكفي وبيناها، لعل تقرأون في هذه الأمثلة في «النجم الوهاج».
ولعل في الدرس القادم نذكر علل أخرى وأصول أخرى في علم الحديث.
سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك.
ﭑ ﭑ ﭑ