القائمة الرئيسة
الرئيسية / تحرير: مسألة شرط الإمام مسلم رحمه الله في السماع واللُّقيا والمعاصرة (تفريغ) / الجزء (1) تحرير مسألة شرط الإمام مسلم في السماع واللقيا والمعاصرة (تفريغ)

2025-12-25

صورة 1
الجزء (1) تحرير مسألة شرط الإمام مسلم في السماع واللقيا والمعاصرة (تفريغ)

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

ولعل في هذه الدروس القادمة نتكلم عن مسألة هامة في علم الحديث والتخريج والعلل والأسانيد، وهي مسألة اللقاء والسماع والمعاصرة بين التلميذ وبين شيخه في مسألة الحديث أو الإسناد المعنعن، وسوف نتكلم عن هذه المسألة جملة وتفصيلا؛ لأنها مهمة لطلبة الحديث، ومسألة مهمة جدا عند الأئمة قديما وحديثا.

فيحتاج إلى تحرير هذه المسألة التحرير البين والمفيد؛ لأن فيها كلام كثير للعلماء، علماء الحديث، وسوف نحرر كذلك شرط الإمام مسلم رحمه الله تعالى.

ولأن عند المتأخرين وعند المعاصرين المقلدين في هذا العصر أن الإمام مسلم رحمه الله تعالى يرى في شرطه المعاصرة مطلقا بين التلميذ وبين شيخه، أو بين المعاصرين، أو بين الراويين، أو بين الراوي وبين شيخه. وهذا بلا شك أنه مغالطة على الإمام مسلم، بل الإمام مسلم يشترط ثبوت السماع مع السلامة من وصمة التدليس للراوي الثقة عن شيخه الثقة الذي عاصره والتقى به لحمل عنعنته عنه على الاتصال، كقول أئمة الحديث تماما.

وسيأتي الكلام: من الجامع الصحيح للإمام مسلم رحمه الله تعالى.

لكن الإمام مسلم في بعض الأسانيد يرى المعاصرة مطلقا، في بعض الأسانيد، أما في جميع الأسانيد فلا، ففي غالب الأسانيد التي هي في «صحيحه» ومن شرطه في الجامع الصحيح، فإن غالب الأسانيد يرى السماع واللقاء بين الراوي وبين شيخه.

وتدبرت كلام الإمام مسلم رحمه الله تعالى في «مقدمة صحيحه»، ومن كلام بعض أهل العلم في تحرير هذه المسألة؛ أن الإمام مسلم يقول بقول أئمة الحديث المتقدمين الذين أجمعوا على السماع واللقاء بين التلميذ وبين شيخه، ويوافقهم على ذلك. وكذلك يوافق جمهور العلماء من المتأخرين المعاصرين له على اشتراط السماع واللقاء بين التلميذ وبين شيخه في السند المعنعن.

ولعل هذا الأمر نبينه في الدروس التي سوف تأتي بالأدلة من مقدمة صحيحه رحمه الله تعالى، ونقلا من الجامع الصحيح نفسه وأمثلة تدل على ذلك.

ولذلك بين ابن حزم رحمه الله تعالى في «الإحكام» أن لابد من تحرير المسائل، وما أوتوا يقول: أناس في هذا العلم- إلا في عدم تحرير المسائل جيدا.

وهذا يبين أن أكثر الناس الذي يشتغلون بعلم الحديث والتخريج والعلل، وبزعمهم الدفاع عن الجامع الصحيح لمسلم والدفاع عن الإمام مسلم، كله تقليد، هذا يقلد هذا بدون تحرير المسائل. ولم ينتقلوا إلى كتب أهل الحديث ليقرئوا، ولكي يبحثوا جملة وتفصيلا في أصول الحديث، فلا ترى ذلك عندهم، يقلد وجامد على هذا الأمر.

فلذلك لابد على طلبة الحديث من البحث في هذه المسائل والقراءة والمذاكرة لكي لا يكون الشخص مقلدا فيقع في أخطاء كما وقع الذين من قبله، كما هو حال المقلدة كخالد الردادي، كباسم العطوي، أو بسام العطوي، أو أشكال هؤلاء، وظنوا أنهم بزعمهم ينصرون الجامع الصحيح لمسلم أو ينصرون السنة، وهو كله تقليد ووقعوا في أخطاء وفضائح وبلاوى تدل على أن هؤلاء لم يحرروا المسائل فوقعوا في الجهل المركب، ولو سكت هؤلاء عن علم الحديث والتدخل فيه لوقعوا في الجهل البسيط وهذا أهون، أما الذي وقعوا فيه الآن الجهل المركب وهو أشد، وهو يدعي أنه يعرف ولم يعرف، فهذه مشكلة.

فلذلك لا بد من تحرير هذه المسائل.

وقبل أن نتكلم عن شرط الإمام مسلم ثم بعد ذلك ننتقل إلى أقوال الأئمة، سوف نبين أمر مهم كذلك وقع فيه بعض العلماء قديما ووقع فيه كثير من المقلدة في هذا العصر. وهذا الأمر زعموا أن الإمام مسلم في مقدمة صحيحه في مسألة المعاصرة يرد على الإمام البخاري رحمه الله تعالى، ويرد على الإمام ابن المديني رحمه الله تعالى، وغيرهما من أئمة الحديث.

وهذا غلط، ومن تأمل وتدبر مقدمة صحيح الإمام مسلم يتبين له أنه يرد على أناس من عصره، واختلفوا معه في بعض الأمور. ولذلك لم يحرر المقلدة هذا الأمر عند الإمام مسلم في مقدمته، بل ظنوا أنه كذلك يرد على أئمة الحديث المتقدمين وهذا غلط، وإن كان في الجملة يختلف معهم هو في مسألة المعاصرة في بعض الأسانيد.

ويستحيل أن يرمي الإمام البخاري بالجهل، ويرميه بالانتحال في علم الحديث وهو إمام معروف في علم الحديث، وهو عالم ليس بجاهل، فهو يرد على أناس من عصره، وهو ذكر هذا الأمر لكن الناس في هذا العصر لم يتفطنوا لهذا الأمر.

ولذلك من الأدلة في مقدمة صحيح الإمام مسلم على أنه لا يعني الإمام البخاري ولا يعني الإمام ابن المديني وغيرهما من الأئمة، بل يعني هو أناس من أهل عصره فيرد عليهم واختلف معهم، لكن في الجملة هو خالف المتقدمين في مسألة المعاصرة في بعض الأسانيد، ليس كل الأسانيد وسيأتي تفصيل هذا.

ولذلك صرح الإمام مسلم رحمه الله تعالى أن المخالف قال عنه: (لا وزن له في العلم ولا اعتبار).

وهذا يدل أن مسلما لم يقصد البخاري يقينا، لأنه هو يرد على أناس من عصره، فيستحيل أن يقول عن الإمام البخاري: لا وزن له وهو إمام معروف، والإمام البخاري هو شيخ الإمام مسلم، وسيأتي كيف الإمام مسلم يعظم الإمام البخاري، فيستحيل أن يقول عن الإمام البخاري: لا وزن له في العلم، والإمام البخاري معروف، (ولا اعتبار له في العلم) مستحيل.

والإمام مسلم في «الجامع الصحيح» له أخذ أصول الإمام البخاري، وروى أحاديث كثيرة من أصول الإمام البخاري، فيستحيل أن يقول: لا وزن له في العلم يأخذ عنهم، مستحيل.

فأنى يرد في ذهن الإمام مسلم بعد ذلك أنه ينسب ذلك القول المبتدع إلى شيخه الأجل لديه العزيز عليه ألا وهو الإمام البخاري؛ لأن سيأتي أن الإمام البخاري -أو الإمام مسلم- ذكر في مسألة الاشتراط واللقاء أن هذا القول قول مبتدع، فيستحيل أن يقول عن الإمام البخاري ذلك وهو يجل الإمام البخاري.

وأشار إلى ذلك الإمام مسلم في «مقدمة صحيحه» (ج1 ص28 و29 و30) على عدد من الخصوم يعني: من خصومه- ولا يرد هو على واحد كما ظن البعض من المقلدة في هذا العصر، لا هو يرد على عدد من الخصوم، من خصومه في عصره، ولا يرد على الإمام البخاري ولا الإمام ابن المديني ولا غير ذلك من الأئمة، فيستحيل أن يقول عنهم هذا الأمر: إن ما عندهم علم، وليس لهم وزن في العلم، وعن في الدين، وغير معتبرين، وهو يأخذ منهم، يستحيل.

فلذلك لابد من تصحيح هذه المعلومة المنتشرة الآن في العالم كله، ولعل البعض ما يفهم ما أقول والمسألة هذه بين أهل العلم ما يعرفها، لكن هذا الأمر منتشر بين العلماء وبين المشايخ وبين طلبة العلم في كل مكان وأن في أذهانهم هذا الأمر، وأن الإمام مسلم يرد على الإمام البخاري ويرد على الإمام ابن المديني وغيرهما؛ لأن ابن رجب ذكر هذا الأمر وكذلك النووي في المنهاج، والنووي يذكر ذلك في المنهاج، وابن رجب في شرح العلل -علل الترمذي الصغير-، وكذلك ابن حجر في النكت على ابن الصلاح، وغيرهم من العلماء الذين ذكروا هذا الأمر وأخذ منهم الناس.

لكن قولهم هذا في الجملة أنه خالف الأئمة في مسألة المعاصرة، معاصرة الراوي مع شيخه أو تعاصر الراوي مع شيخه.

فلذلك نحن الآن نحرر مسألة أن الإمام مسلم لا يرد على أئمة أهل الحديث أصلا، يرد على أناس من المعاصرين.

فالإمام مسلم رحمه الله تعالى في «مقدمة صحيحه» (ج1 ص28، 29، 30) يرد على ذلك الجاهل الخامل الذكر الذي انتحل الآثار والأحاديث ولا يعد من أهل الحديث، ولا تؤثر مخالفته في الإجماع الذي عليه أهل الحديث في قبول الحديث المعنعن بشرط العلم بالسماع والعلم باللقاء والسلامة من وصمة التدليس، وذلك من رد العنعنة مطلقا.

فالإمام مسلم في «مقدمته»، وفي «صحيحه» عنده شيء يعني من الاضطراب في هذه المسألة في الجملة، ولذلك أحيانا يثبت اللقاء البين، ويشترط اللقاء البين والإدراك البين بين الراوي وشيخه، وأحيانا يشترط السماع البين والعلم بالسماع والعلم باللقاء بين الراوي وشيخه، وأحيانا يشترط المجالسة بين الراوي وشيخه واللقاء والمعاصرة البينة، فهذا الأمر في غالب أسانيده في الصحيح في الجامع الصحيح له.

أحيانا يرى المعاصرة مطلقا -يكفي عنده اشتراط المعاصرة- في بعض الأسانيد، والمقلدة في هذا العصر صححوا أسانيد لمجرد ذلك، إذا عاصر الراوي شيخه، فعند الإمام مسلم بعض الأسانيد يراها متصلة وتحمل على السماع، فأخذ المقلدة فأطلقوا أنه يرى المعاصرة في كل الأسانيد في جميع الأسانيد التي في الجامع الصحيح! عندهم ماذا؟

بشرط أن لا يكون مدلسا يعني: الراوي عن شيخه لا يكون مدلسا- فإذا عاصره ولم يكن مدلسا فعند المقلدة يحمل الحديث والإسناد على السماع والاتصال، فيصح الإسناد عندهم. رغم أن الإمام مسلم يشترط في بعض الأسانيد كما سوف يأتي.

وهو بهذه التفاصيل يرد على عدد من خصومه في عصره، الذين بعضهم يقولون بالمعاصرة، وبعضهم يقولون باللقاء والسماع، وكذلك البعض يرى الأحاديث الضعيفة والأسانيد الضعيفة صحيحة، وكذلك منهم -من الخصوم- من يحتج بالأحاديث الواهية والأحاديث المنكرة، فهو يرد على هؤلاء كلهم.

فيرد على الذين يقولون بمطلق المعاصرة في الأسانيد المعنعنة، ويرد على الذين يصححون الأسانيد المنكرة في عصره، هو يرد عليهم ويرميهم بالجهل وأنهم ليسوا من أهل الحديث وأنهم جهال في العلم لا وزن لهم ولا اعتبار لهم، فهو يرد على أشكال هؤلاء.

كيف يقولون هؤلاء إنه يرد على الإمام البخاري والإمام ابن المديني وغيرهما من أئمة الحديث؟.

كذلك الإمام مسلم في «مقدمة صحيحه» يرد على الذين يحتجون بالأسانيد الواهية والضعيفة التي لا تصح، فرد عليهم وجهلهم وأنهم ليسوا من أهل الحديث. وهؤلاء من أهل عصره، وهو مصرح، فهو لا يرد على الإمام البخاري.

وهذا يدل على أن الإمام مسلم يرد على هؤلاء المتأخرين من الفقهاء، وهو يرد على هذا الفقيه المتأخر، ولذلك قال له: (لم تسبق إليه من أحد من أئمة الحديث)، وهؤلاء لم يسبقوا من أحد من أهل الحديث الذي يقولون هكذا.

فالإمام مسلم يرد على هؤلاء، وهذا الأمر موجود في «مقدمة صحيحه»، فهو يرد على عدد من الفقهاء في عصره، ولذلك وقع الخلاف بينه بين الإمام مسلم وبين أهل عصره ممن تكلم في علم الحديث بغير أصول، وإن كان بعضهم أصابوا في مسألة لابد من اللقاء والسماع يعني: العلم باللقاء والعلم بالسماع بين الراوي وبين شيخه- فلابد من هذا الأمر.

ويبين ذلك يقول الإمام مسلم رحمه الله تعالى في «مقدمة صحيحه» (ج1 صفحة 28، 29): (وقد تكلم بعض منتحلي الحديث من أهل عصرنا في تصحيح الأسانيد وتسقيمها).

فهذا يدل على الآن أنه يرد على أناس من عصره، فكيف يقال إنه يرد على الإمام البخاري؟ مستحيل هذا، وكيف يرد على ابن المديني، وكيف يرد على الإمام أحمد وغيرهما من الأئمة؟ فهو يرد على أناس من منتحلي الحديث في عصره.

ولذلك وقد تكلم بعض منتحلي الحديث من أهل عصرنا في تصحيح الأسانيد وتسقيمها، ولذلك هؤلاء الذي يرد عليهم هؤلاء يتكلمون في الأسانيد، فحتى من هذه الأسانيد هي منكرة يحتجون بها وهي ضعيفة ويحتجون بها، فهو يرد على هؤلاء.

ثم لم يرد فقط على مسألة العلم باللقاء ولا مسألة المعاصرة ولا مسألة السماع هو يرد كذلك على الذين يحتجون بالأسانيد الضعيفة والأسانيد الواهية والأسانيد المنكرة هو يرد كذلك على هؤلاء، فهو يرد على عدد من منتحلي علم الحديث في عصره.

ولعل إن شاء الله نكمل الدرس القادم في هذا.

ولعل الدروس التي سوف تأتي في علم اللقاء وعلم السماع سوف تفهمون يعني ما هو المطلوب من هذا بضرب الأمثلة وكلام الأئمة في ذلك.

سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك.

 

 

 

 

ﭑ ﭑ ﭑ

 


جميع الحقوق محفوظة لموقع الشبكة الأثرية
Powered By Emcan