الرئيسية / شرح: نيل الفلاح في صحيح أذكار المساء والصباح (تفريغ) / الجزء (9) نيل الفلاح في صحيح أذكار المساء والصباح: شرح حديث (سيد الاستغفار) (تفريغ)
2025-12-15
الجزء (9) نيل الفلاح في صحيح أذكار المساء والصباح: شرح حديث (سيد الاستغفار) (تفريغ)
المتن:
الحديث السابع: عن شداد بن أوس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «سيد الاستغفار أن تقول: اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت، خلقتني وأنا عبدك، وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت، أعوذ بك من شر ما صنعت، أبوء لك بنعمتك علي وأبوء لك بذنبي فاغفر لي، فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت. قال: ومن قالها من النهار موقنا بها، فمات من يومه قبل أن يمسي، فهو من أهل الجنة، ومن قالها من الليل وهو موقن بها، فمات قبل أن يصبح، فهو من أهل الجنة».
أخرجه البخاري في «صحيحه»، وغيره.
الشرح:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
حديث سيد الاستغفار وهو أعظم حديث في أذكار المساء والصباح، وفيه يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «سيد الاستغفار أن تقول: اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت، خلقتني وأنا عبدك، وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت، أعوذ بك من شر ما صنعت، أبوء لك بنعمتك علي وأبوء لك بذنبي فاغفر لي، فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت».
يقول النبي صلى الله عليه وسلم في فضل هذا الأمر: «ومن قالها من النهار موقنا بها، فمات من يومه قبل أن يمسي، فهو من أهل الجنة»، «ومن قالها من الليل -يعني في المساء- وهو موقن بها، فمات قبل أن يصبح -قبل أن يأتي الصباح- فهو من أهل الجنة».
وهذا الحديث تفرد به البخاري في صحيحه دون مسلم رحمهم الله تعالى.
فهذا دعاء عظيم وسماه النبي صلى الله عليه وسلم سيد الاستغفار، وشرحناه من قبل وهو في كتاب «فتح الإله الغفار في شرح حديث سيد الاستغفار»، وهو هذا الكتاب شرحته كاملا ولعل إن شاء الله عن قريب يطبع.
وهذا دعاء عظيم جامع لمعاني التوبة والتذلل لله تبارك وتعالى والإنابة إليه، وصفه النبي صلى الله عليه وسلم بأنه سيد الاستغفار؛ أي: سيد ألفاظه، وذلك لأنه قد فاق سائر صيغ الاستغفار في الفضيلة وعلا عليها في الرتبة، ومن معاني السيد الذي يفوق قومه في الخير ويرتفع عليهم. وانظر: «الفتوحات الربانية» لابن علان (ج2 ص79)، و«جمع النهاية» لابن أبي جمرة (ج4 ص899).
فالسيد يفوق قومه كما لا يخفى في الخير ويرتفع عليهم، هذا سيد الاستغفار الدعاء يفوق جميع الاستغفارات وجميع الأدعية ويرتفع عليهم فعليك به. فالاستغفار له شأن عظيم ومكانة عالية كما بين شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى في «الفتاوى» (ج11 ص696)، ولا حاجة إلى قراءة ذلك. وهذا أكمل ما يكون في الدعاء، ولهذا كان أعظم صيغ الاستغفار وأفضلها وأجمعها للمعاني الموجبة لغفران الذنوب.
وكذلك يقول الجيلاني في «فضل الله الصمد» (ج2 ص75): سيد الاستغفار اللفظ الصحيح –يعني: صحيح البخاري- أفضل الاستغفار وهو المراد بالسيادة، ولعل المراد أنه أكثر نفعا لمن استغفر بهذه الصيغة، والسيد الرئيس المتقدم الذي يعتمد عليه في الحوائج. ففي هذا الاستغفار إقرار بربوبية الله وبكونه عبدا له والاعتراف بأنه خلقه والإقرار بالعهد الذي أخذ منه والرجاء بما وعد به والاستعاذة بما جنى على نفسه وإضافة النعم إلى سيدها وموجدها وإضافة الذنب إلى من به الذنب صار ذنبا وأن الشر ليس إليه بل بيده الخير.. إلى آخر كلامه.
ففي هذا الاستغفار اعتراف للعبد بربوبية الله سبحانه وتعالى والاعتراف بأنه عبد ويعترف لله سبحانه وتعالى أنه عبدا لأنه يقول: «أبوء بنعمتك علي وأبوء بذنبي»، أبوء؛ يعني: أعترف أني عبدك وأني مذنب، ولذلك لابد على العبد أن يعترف بذنبه أمام الله سبحانه وتعالى لكي الله يغفر له، أما أن يصر ويعاند فكيف يغفر له؟ فلابد أن يعترف أمام الله سبحانه وتعالى.
يقول: «وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت»، فإن الحكمة وهي الشريعة وما كلفتنا من التكاليف على قدر استطاعته، فلذلك «وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت».
«وأبوء بنعمتك علي وأبوء بذنبي فاغفر لي، فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت». يعني: ما في الآن اليهود والنصارى يذهبون إلى الكنائس يغفرون لهم بزعمهم هذا القسيس وهذا كذا والرهبان، وهؤلاء ليس بأيديهم أي شيء.
كذلك الصوفية يفعلون هذه الأفعال وأنه بيده الاستغفار وبيده الجنة وما شابه ذلك وأنه يعلم الغيب وهكذا، لكن العبد يعترف أن الغفران بيد الله سبحانه وتعالى ليس بيد أي أحد.
ولذلك الرافضة يقولون: سوف يدخلون الجنة وأن علي سوف يدخلهم وأنه سيستغفر لهم ولذلك يلوذون إلى القبور ويستغيثون بها ويطلبون الاستغفار وليس بيدهم شيء، أما أهل السنة لا، يعترفون بذلك «أبوء بنعمتك علي وأبوء بذنبي فاغفر لي، فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت» هذا هو الأصل، فأهل السنة يرجعون إلى الله سبحانه وتعالى.
* «وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت»، هذه تبين أن العبد يسعى في دين الله على قدر استطاعته وأنه يعترف بذلك لأنه قاصر مهما يفعل لله فهو قاصر، فلذلك لا يتمنن العبد على الله سبحانه وتعالى فهو مهما يفعل لله لو احترقت جبهته في الأرض ما وفى شيئا مما أعطاه الله سبحانه وتعالى من النعم، أعترف بنعمتك علي «أبوء بنعمتك علي»، فمهما يفعل فلا شيء، فلا يقول: أنا فعلت وأعطيت وما كذا، فلذلك فلينظر العبد في ذلك.
فيحق له أن يسمى سيد الاستغفار.
وبين كذلك الكرماني رحمه الله تعالى في «الكواكب الدراري شرح صحيح البخاري» (ج22 ص124) في هذا الحديث من أكمل الصفات والأمور العظيمة، وكذلك ابن أبي جمرة في «جمع النهاية» (ج4 ص897).
ولذلك بوب عليه الإمام البخاري في «صحيحه» (ج11 ص97): (باب أفضل الاستغفار).
وبين القسطلاني في «إرشاد الساري» (ج13 ص 359) هذا الأمر، وكذلك انظر «عمدة القاري شرح صحيح البخاري» للعيني (ج18 ص 338)، و«الفتوحات الربانية على الأذكار النووية» لابن علان (ج2 ص79)، و«مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح» للقاري (ج4 ص1619)، و«فضل الله الصمد في توضيح الأدب المفرد» للجيلاني (ج2 ص75).
وكذلك هذا الحديث شرحه شيخنا الشيخ محمد بن صالح العثيمين في «رياض الصالحين» (ج6 ص717) يقول شيخنا: سيد الاستغفار؛ يعني: أشرف الاستغفار وأفضله؛ لما كان هذا الدعاء جامعا لمعاني التوبة كلها استعير له اسم السيد لما فيه من التوحيد والاعتراف بالذنب وتقرير الإيمان والاعتراف بالنعم فهو أبلغ مما يقول اللهم اغفر لي، فيقول هذا الدعاء.
ولذلك بين كذلك ابن حجر هذا الأمر في «فتح الباري» (ج11 ص 99)؛ قول الإمام البخاري «باب أفضل الاستغفار».
وكذلك هذا الحديث شرحه السفاريني في كتاب سماه: «نتائج الأفكار في شرح حديث سيد الاستغفار»، وبين في (ص169): (فعلى هذا سمي هذا الدعاء سيد الدعاء لأنه قد فاق سائر صيغ الاستغفار في الفضيلة وارتفع عليها). اهـ
وقوله صلى الله عليه وسلم: «اللهم»، هي بمعنى: يا الله حذف منها ياء النداء وعوض عنها بالميم المشددة ولهذا لا يجوز الجمع بينهما لأنه لا يجمع بين العوض والمعوض عنه.
فالأصل «اللهم» هي بمعنى: يا الله، حذفت منها ياء النداء «يا» حذفت منه، وعوض عن الياء بالميم المشددة «اللهم»؛ لأنه ما يجمع بين العوض والمعوض عنه «يا الله». وانظر: «شرح سيد الاستغفار» للمهايمي وهذا مخطوط في ورقة 6.
ولذلك يقول ابن مالك في «ألفيته» (ص80) في النحو: (والأكثر اللهم بالتعويض وشذ يا اللهم في قريض)، والأشموني في «شرح الألفية» بين هذا الأمر (ج3 ص146)، وكذلك سيبويه في كتابه المعروف في «النحو» في (ج1 ص 35)؛ فزيدت الميم المشددة عوضا من حرف النداء، وبين هذا الأمر كذلك ابن القيم رحمه الله تعالى في «جلاء الأفهام» (ص143)، وانظر كذلك: «مدارج السالكين» لابن القيم (ج3 ص242).
فهذا يعني بعض الشرح في حديث سيد الاستغفار.
و «أبوء لك»؛ يعني: أعترف لك، وفي هذا اعتراف بالذنب وطلب الغفران، فعلى الناس أن يحفظوا هذا الدعاء ويستغفروا الله سبحانه وتعالى به وهو عظيم، فإذا مات العبد.. فإذا كان صاحب سنة وجاء بالأصول ثم قال هذا الدعاء في الصباح مات قبل المساء دخل الجنة، وإذا قاله في المساء ومات قبل الصباح دخل الجنة، وهذا أعظم أمر يريده العبد أن يدخل الجنة، فعليه بهذا الدعاء مع تمسكه بالأصول أصول الشريعة.
وهذا باختصار ولعل من أراد الكتاب هذا بعد ذلك إن شاء الله.
وهذا يعني انتهينا من شرح أذكار المساء والصباح.
الأسئلة:
السؤال: غير مسموع.
الجواب: هذا الدعاء من أذكار المساء والصباح، وبينا الصباح من طلوع الفجر يعني النور الذي ينشق في الطرقات والسكك والبيوت إلى طلوع الشمس، ولا بأس إذا انشغل العبد أو نسي أن يقرأ هذا الدعاء وبقية الأدعية أو بعضها أو شيئا منها على قدر استطاعته، والأفضل كلها على السابعة على الثامنة صباحا. والمساء من بعد صلاة العصر إلى قبيل غروب الشمس ولا بأس بعد غروب الشمس حتى إلى العشاء إذا انشغل، على الثامنة أو الثامنة والنصف وهكذا.
سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك.