الرئيسية / شرح: نيل الفلاح في صحيح أذكار المساء والصباح (تفريغ) / الجزء (8) نيل الفلاح في صحيح أذكار المساء والصباح: شرح حديث جويرية: (سبحان الله وبحمده عدد خلقه...) (تفريغ)
2025-12-15
الجزء (8) نيل الفلاح في صحيح أذكار المساء والصباح: شرح حديث جويرية: (سبحان الله وبحمده عدد خلقه...) (تفريغ)
المتن:
الحديث السادس من أحاديث صحيح أذكار المساء والصباح: عن جويرية بنت الحارث أم المؤمنين رضي الله عنها «أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج من عندها بكرة حين صلى الصبح، وهي في مسجدها، ثم رجع بعد أن أضحى وهي جالسة، فقال: ما زلت على الحال التي فارقتك عليها؟ قالت: نعم. قال النبي صلى الله عليه وسلم: لقد قلت بعدك أربع كلمات ثلاث مرات، لو وزنت بما قلت منذ اليوم لوزنتهن: سبحان الله وبحمده، عدد خلقه، ورضا نفسه، وزنة عرشه، ومداد كلماته».
أخرجه مسلم في «صحيحه»، والطحاوي في «مشكل الآثار»، وابن عساكر في «تاريخ دمشق»، وغيرهم.
الشرح:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
وهذا من أذكار الصباح، ليس من أذكار المساء، وأما ما سلف من الأحاديث وهي الأحاديث الصحيحة في أذكار المساء والصباح، وبينا أن هناك أحاديث ضعيفة تقال على ألسنة الناس في الصحف والجرائد والإذاعات وما شابه ذلك هي ضعيفة، لا يجوز ذكرها من أذكار المساء والصباح، وعلى الناس الاتباع، وعليهم أن يسألوا عن هذه الأحاديث التي تروى، وليس كل شخص سواء كان شيخا أو قصاصا أو واعظا في أي مكان لابد يسأل عن هذه الأحاديث التي يرويها على الناس، والله سبحانه وتعالى يقول: {فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون} [النحل: 43].
ومن الأذكار العظيمة الجامعة التي يستحب للمسلم أن يواظب عليها كل صباح أن يقول: «سبحان الله وبحمده، عدد خلقه، ورضا نفسه، وزنة عرشه، ومداد كلماته».
* «وزنة عرشه»، هذا يبين أن أثقل أمر وأعظم خلق العرش، عرش الله سبحانه وتعالى، كيف لا يكون ذلك وهو عرش رب العالمين؟ أعظم شيء، لا السماوات تحته شيء ولا الأرض ولا غير ذلك، أعظم شيء؛ ولذلك النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «وزنة عرشه»، وهذا يبين أن عرش الرحمن أعظم شيء وأثقل شيء، كيف ذلك وهو عرش رب العالمين سبحانه وتعالى.
وهذا الدعاء هو دعاء عظيم، فعلى الناس أن يقولونه، فهذا ذكر عظيم مبارك أرشد إليه النبي صلى الله عليه وسلم وبين أنه ذكر مضاعف يزيد في الفضل والأجر على مجرد الذكر بـ «سبحان الله»، أضعافا مضاعفة؛ لأن ما يقوم بقلب الذاكر حين يقوله من معرفة الله وتنزيهه وتعظيمه بهذا القدر المذكور من العدد، أعظم مما يقول بقلب من قال: «سبحان الله»، فقط.
فالشخص دائما يردد ذكر الله سبحانه وتعالى سواء من أذكار الصباح أو المساء، أو يكون من أذكار اليوم، الأذكار المطلقة، فبلا شك النفس تطمئن والإيمان يقوى، والقلب يتنور بهذا الذكر.
والمقصود أن الله سبحانه وتعالى يستحق التسبيح بذلك القدر والعدد، كقوله: «ربنا ولك الحمد ملء السموات وملء الأرض وملء ما بينهما وملء ما شئت من شيء بعد»، وليس المراد أن العبد سبح تسبيحا بذلك القدر، فإن فعل العبد محصور، وإنما المراد ما يستحقه الرب من التسبيح، فذاك الذي يعظم قدره.
ولذلك يقول ابن القيم رحمه الله تعالى: وهذا يسمى الذكر المضاعف، وهو أعظم ثناء من الذكر المفرد، وهذا إنما يظهر في معرفة هذا الذكر وفهمه، فإن قول المسبح: «سبحان الله وبحمده، عدد خلقه»، تضمن إنشاء وإخبارا، (يعني: مقصد تسبيح الله سبحانه وتعالى وتعظيمه)، والذكر هذا الجامع أعظم من أن تقول: سبحان الله، لكن إذا قلت هذا الذكر وجامع هذه الأمور العظيمة فبلا شك هذا أفضل.
* «ورضا نفسه»، أن يكون المراد تسبيحا هو في العظمة والجلال مساو لرضا نفسه، فالمسبح إذا سبح بالتسبيح المشروع والذكر المشروع فالله سبحانه وتعالى بلا شك أن يرضى عنه، ويرضى بذلك، ولا يرضى بالأذكار البدعية الصوفية، بل يرضى الله سبحانه وتعالى بذلك.
وأنا أختصر لكم اختصارا.
وقوله صلى الله عليه وسلم: «وزنة عرشه»، فيه إثبات العرش وإضافته إلى الرب سبحانه وتعالى وأنه أثقل المخلوقات على الإطلاق، إذ لو كان شيء أثقل منه لوزن به التسبيح، أو لوزن به التسبيح، فالتضعيف الأول للعدد والكمية، والثاني للصفة والكيفية، والثالث للعظمة والثقل وكبر المقدار، فهو أعظم المخلوقات.
* «ومداد كلماته»، والمقصود تكثير الذكر، والمداد ما كثرت به الشيء والمقصود تكثير.
وهذا كله كلام ابن القيم رحمه الله تعالى في «المنار المنيف» صفحة سبعة وعشرين إلى ثلاثين.
يقول ابن القيم بعد ذلك: والمقصود أن في هذا التسبيح من صفات الكمال ونعوت الجلال ما يوجب أن يكون أفضل من غيره.