الرئيسية / شرح: نيل الفلاح في صحيح أذكار المساء والصباح (تفريغ) / الجزء (5) نيل الفلاح في صحيح أذكار المساء والصباح: شرح حديث ابن عمر (اللهم إني أسألك العافية...) (تفريغ)
2025-12-15
الجزء (5) نيل الفلاح في صحيح أذكار المساء والصباح: شرح حديث ابن عمر (اللهم إني أسألك العافية...) (تفريغ)
المتن:
الحديث الثالث من أحاديث صحيح أذكار المساء والصباح: عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يدع هؤلاء الكلمات إذا أصبح وإذا أمسى: «اللهم إني أسألك العافية في الدنيا والآخرة، اللهم إني أسألك العفو والعافية في ديني ودنياي وأهلي ومالي، اللهم استر عوراتي، وآمن روعاتي، اللهم احفظني من بين يدي، ومن خلفي، وعن يميني، وعن شمالي، ومن فوقي، وأعوذ بعظمتك أن أغتال من تحتي».
حديث صحيح، أخرجه البخاري في «الأدب المفرد»، وأبو داود في «سننه»، وغيرهما.
الشرح:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
وأخذنا في الدرس الذي سلف حديث أبي هريرة رضي الله عنه، وهو قول النبي صلى الله عليه وسلم: «اللهم بك أصبحنا، وبك أمسينا، وبك نحيا، وبك نموت، وإليك النشور»، وإذا أمسى قال: «اللهم بك أمسينا، وبك أصبحنا، وبك نحيا، وبك نموت، وإليك المصير».
ثم بعد ذلك نذكر حديث ابن عمر، وفيه قال: لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يدع هؤلاء الكلمات إذا أصبح وإذا أمسى: «اللهم إني أسألك العافية في الدنيا والآخرة، اللهم إني أسألك العفو والعافية في ديني ودنياي....». إلخ الدعاء.
وهو حديث صحيح أخرجه البخاري في «الأدب المفرد»، وغيره بسند صحيح.
فهذا من الدعوات العظيمة التي كان النبي صلى الله عليه وسلم يحافظ عليها في كل صباح ومساء، ولم يكن يدعها النبي صلى الله عليه وسلم كما بين ابن عمر: «لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يدع هؤلاء الكلمات إذا أصبح وإذا أمسى».
وهو ذكر عظيم، وقد بدأ النبي صلى الله عليه وسلم هذا الدعاء العظيم بسؤال الله العافية في الدنيا والآخرة. والعافية لا يعدلها شيء، من أعطي العافية في الدنيا والآخرة فقد كمل نصيبه من الخير. ويبين ذلك حرص النبي صلى الله عليه وسلم على هذا الدعاء، ولم يكن يدع النبي صلى الله عليه وسلم هذا الدعاء.
والعفو محو الذنوب وسترها، ولذلك على العبد أن يسأل الله سبحانه وتعالى ويقول: «اللهم إني أسألك العفو والعافية»، ولا يترك هذا الدعاء.
* «في ديني ودنياي»؛ في دينه وفي دنياه.
والعافية هي تأمين الله لعبده من كل نقمة ومحنة، بصرف السوء عنه ووقايته من البلايا والأسقام، وحفظه من الشرور والآثام. وقد سأل النبي صلى الله عليه وسلم العافية في الدنيا والآخرة، والعافية في الدين والدنيا والأهل والمال، فلا يغفل العبد عن ذلك، ولا ينشغل في هذه الدنيا ولا يدري بهذه الأذكار ولا بالدعوات.
وأما سؤال العافية في الدين، فهو طلب الوقاية من كل أمر يشين الدين أو يخل به. وأما في الدنيا فهو طلب الوقاية من كل أمر يضر العبد في دنياه من مصيبة أو بلاء أو ضراء أو نحو ذلك. وأما في الآخرة فهو طلب الوقاية من أهوال الآخرة وشدائدها وما فيها من أنواع العقوبات.
وأما في الأهل، فيقيهم الله سبحانه وتعالى من الفتن فيدعوا -وما أكثر الفتن- وحمايتهم من البلايا والمحن. وأما في المال فبحفظه مما يتلفه من غرق أو حرق أو سرقة أو نحو ذلك. فجمع في ذلك سؤال الله الحفظ من جميع العوارض المؤذية والأخطار المضرة. وهذا واضح، فلذلك على العبد أن يدعو لنفسه ولأهله ويدعو أن الله يحفظ دينه ويحفظ دنياه ويحفظ أهله وماله وما شابه ذلك، لأن الأصل هذا، والكل يحب أن الله يحفظه ويحفظ أهله وماله وأولاده، فعلى الناس أن يدعوا الله سبحانه وتعالى بهذا الدعاء.
وقوله صلى الله عليه وسلم: «اللهم استر عورتي»؛ أي: عيوبي وخللي وتقصيري وكل ما يسوئني كشفه. ويدخل في ذلك الحفظ من انكشاف العورة وغير ذلك.
فهذا الدعاء يبين هذا الأمر: «اللهم استر عورتي»، فالعبد يدعو الله سبحانه وتعالى أن يستر عليه، يستر عليه عيوبه وخلله وتقصيره وفعله لبعض المعاصي، لكن يجب عليه أن يتوب عن ذلك.
«وآمن روعاتي»؛ والروع: الفزع. والروعات: الفزعات.
وانظر: «مختار الصحاح» للرازي (ص111).
فقوله صلى الله عليه وسلم: «وآمن روعاتي» هو من الأمن ضد الخوف. والروعات جمع روعة وهو الخوف والحزن. فالعبد يسأل الله سبحانه وتعالى أن يجنبه كل أمر يخيفه أو يحزنه. فكل أمر يخيف الإنسان ويحزن الإنسان فيتضرر به بلا شك في هذه الحياة. ولذلك الأمن والأمان لا يعدلهما شيء في الحياة.
فلذلك على العبد أن يدعو الله سبحانه وتعالى بالأمن والأمان ويأمنه، لكي الله سبحانه وتعالى يذهب عنه الخوف والحزن وغير ذلك.
وقوله صلى الله عليه وسلم: «اللهم استر عوراتي، وآمن روعاتي، اللهم احفظني من بين يدي، ومن خلفي، وعن يميني، وعن شمالي، ومن فوقي، وأعوذ بعظمتك أن أغتال من تحتي». أغتال: أن يخسف بالعبد.
وهذا الحديث حديث صحيح أخرجه البخاري في «الأدب المفرد»، وغيره.
والدعاء هنا بالحفظ عن اليمين وعن الشمال ومن الأمام ومن الخلف ومن تحت الأرض أن يخسف بهذا العبد، أو أن الله سبحانه وتعالى يخسف بالبلد أو بالمنطقة أو بالأرض. فلذلك النبي صلى الله عليه وسلم دعا هذا الدعاء التفصيلي، هذا دعاء تفصيلي مفيد لكل مسلم لكي لا يغفل عن هذا الأمر، لأن الله سبحانه وتعالى هو الحافظ.
في أناس يأتونك لإضرارك، ممكن عن يمينك ولا تدري في بيتك أو في الطريق أو ما شابه ذلك، يأتونك عن اليمين أو عن الشمال أو من خلفك، فمن الذي يحفظك؟ الله سبحانه وتعالى.
وكم من شخص أمن الأمر وأتي من الخلف وقتل، من أهل الكفر أو أهل البدع في الداخل، ولا يخفى عليكمأمور المجرمين الرافضيين، كيف يأتون الناس بغفلة. فلذلك الدعاء هذا دعاء عظيم، فالله سبحانه وتعالى يحفظك منهم، والله سبحانه وتعالى يعاقبهم، والله سبحانه وتعالى هو الحافظ سبحانه وتعالى.
فهذا الحديث فيه سؤال الله سبحانه وتعالى الحفاظ من المهالك والشرور التي تعرض للعبد من الجهات الست. فقد يأتيه الشر والبلايا من الأمام، أو من الخلف، أو من اليمين، أو من الشمال، أو من فوقه، أو من تحته. وهو لا يدري من أي جهة قد يفجأه البلاء أو تحل به المصيبة، فسأل ربه أن يحفظه من جميع جهاته.
فالشرور تأتي بني آدم وهو لا يدري، في بيته نائما أو في وظيفته أو في طريقه أو ما شابه ذلك، خاصة في أيام الفتن، فتن الرافضة، فيأتون الناس بأمور كثيرة ومهلكات وقتل وجرح وضرب وما شابه ذلك، هذه من الشرور. فأنت تدعو الله سبحانه وتعالى فالله يحفظك منهم ومن شرورهم.
وأتوا -والعياذ بالله- لأناس بغفلة، منهم من قتلوه ومنهم من ضربوه ومن جرحوه ولا يخفى عليكم، فلذلك على بقية الناس أن يدعوا الله سبحانه وتعالى بهذا الأمر. لكن إن وقع بلاء الله سبحانه وتعالى وما كتبه الله سبحانه وتعالى بمشيئته على العبد فهذا لابد منه، لكن عليه باتخاذ الأسباب على قدر استطاعته. فالله سبحانه وتعالى يحفظك في هذه الأمور، والناس لا يدرون كيف يأتيهم الأمر والشر فعليهم بالدعاء.
وهذا يبين أن الخلق لابد لهم من الرجوع إلى الله، من أراد أن يحفظه من الشرور فعليه أن يرجع إلى الله سبحانه وتعالى.
ثم إن من الشر العظيم الذي يحتاج العبد إلى الحفظ منه شر الشيطان، الذي يتربص بالإنسان الدوائر. والشيطان لا تراه والعبد لا يراه، وهو يأتي للناس عن اليمين وعن الشمال ومن فوق، وغير ذلك من الجهات، فيوسوس لهذا ويضرر هذا ويهلك هذا ويزج هذا في المخدرات وهذا في البلاء وفي المعاصي والشرك والبدع والمهلكات، فيأتيهم من جميع الجوانب والعبد ما يراه، فدعاء النبي صلى الله عليه وسلم هذا دعاء عظيم فيه تفصيل لهذا الأمر.
فالله يحفظك من شياطين الإنس وشياطين الجن، فعليك بهذا الدعاء: {ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم ولا تجد أكثرهم شاكرين} [الأعراف: 17]. فهذا الشيطان -والعياذ بالله-.
فعلينا بالسنة وما سنه النبي صلى الله عليه وسلم لنا. أما أن يتساهل العبد ويتعبد الله بالأحاديث الضعيفة أو المنكرة أو الموضوعة فليس له شيئا من ذلك الحفظ. وبينا قول أهل العلم وقول شيخنا رحمه الله تعالى في هذا الأمر، فلابد من إصابة السنة وإصابة الأحاديث الصحيحة.
ولذلك يأتي الشيطان العبد من أمامه ومن خلفه وعن يمينه وعن شماله ليوقعه في المصائب. وبني آدم هذا مسكين، أي: الذي ضعف إيمانه ولجأ إلى الشهوات أو المعاصي أو المحرمات أو لجأ إلى البدع أو الشرك فهؤلاء مساكين، ما يدرون، فيوقعهم الشيطان في مصائب، والله الموعد، الكل سوف يحاسب. فلذلك علينا بالتمسك بالكتاب والسنة.
والشيطان -والعياذ بالله- يحاول ويحرص أن يبعد الإنسان من كل خير، ويجعله يركن إلى نفسه الأمارة بالسوء. فلا تحب النفس التواضع للغير حتى لو في الحق، والانكسار والذل لله سبحانه وتعالى ما تحب، تحب الرفعة والسكون والرجوع إلى العقل وما شابه ذلك.
فالنفس -والعياذ بالله- مع الشيطان يهلكان بني آدم. فالعبد بحاجة إلى حصن من هذا العدو وواق له من كيده وشره. وفي هذا الدعاء العظيم تحصين للعبد أن يصل إليه شر الشيطان من أي جهة من الجهات لأنه في حفظ الله ورعايته سبحانه وتعالى.
* «وأعوذ بعظمتك أن أغتال من تحتي»؛ فيه إشارة لعظم خطورة البلاء الذي يحل بالعبد من تحته، كأن تخسف به الأرض من تحته، وهو نوع من العقوبة التي يحلها الله سبحانه وتعالى على بعض الناس الذين يمشون على الأرض بافتخار وتكبر ومعاصي وشرك وبدع، وقصص الأمم السالفة لا تخفى عليكم، وأهل الكفر في هذا الزمان لا يخفون عليكم وأهل البدع في بلدانهم.
فلذلك على الناس أن يطيعوا الله سبحانه وتعالى، {فكلا أخذنا بذنبه} [العنكبوت: 40]، بسبب ذنوبهم -والعياذ بالله-.
فلذلك الله سبحانه وتعالى لا يأخذ هذا العبد بذنبه، فإن الله سبحانه وتعالى يستدرج العبد ويتركه يفعل ما يشاء، لكن إذا جاء يومه وعقابه لا مرد لله سبحانه وتعالى، فليكن العبد على طاعة وعلى عبادة وعلى التزام بالكتاب والسنة. أما أن يعصي الله سبحانه وتعالى ويتكبر على خلقه وغير ذلك، فالله سبحانه وتعالى يجازيه بهذا الأمر.
وهنا في تكملة الآية: {فمنهم من أرسلنا عليه حاصبا ومنهم من أخذته الصيحة ومنهم من خسفنا به الأرض}.
فلذلك الأمر خطير جدا، ولا تنتظر أن الله سبحانه وتعالى يخسف ببلد أو ما شابه ذلك، لا، الله سبحانه وتعالى حتى يعاقب أناس فرادى وجماعات على مشيئته سبحانه وتعالى. فلذلك لا تأمن مكر الله سبحانه وتعالى.
وكذلك في هذا انظر: «العلم الهيب» للعيني (ص126)، و«دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين» لابن علان (ج4 ص290)، و«فقه الأدعية والأذكار» للبدر (ص33).
ولعل إن شاء الله نكمل في الدرس القادم.
الأسئلة:
السؤال: هل يجوز قراءة القرآن بدون وضوء؟.
الجواب: يجوز قراءة القرآن بدون وضوء. وهذا القول هو الراجح والصحيح من أقوال أهل العلم. وأما من قال بالتحريم فليس عندهم أي دليل إلا الأحاديث العامة أو أحاديث ضعيفة، ويستدلون بحديث: «لا يمس القرآن إلا طاهر»، وهو حديث ضعيف لا يصح.
ولذلك يجوز للشخص أن يقرأ القرآن وهو على غير وضوء، لكن الأفضل أن يقرأ القرآن على وضوء.
لكن إذا أحيانا إذا أحدث ويشق عليه -لأن في أناس دائما يقرؤون القرآن، فلو كلما أحدث ذهب وتوضأ فهذا يشق عليه، خاصة الذي يؤلف الكتب يحتاج يوميا وفي كل دقيقة وفي كل ساعة أن يمس القرآن وهكذا، فهذا يشق عليهم- فلذلك لو فيه شيء لبينه النبي صلى الله عليه وسلم بيانا شافيا ولا حصل فيه خلاف.
وهذا من الأمور التي تعم بها البلوى ويحتاج الناس إليها. والله يعلم، ولو كان فيه شيء لبينه النبي صلى الله عليه وسلم للناس، لأنهم يحتاجون لقراءة القرآن. ما فيه ولا فيه حديث النبي صلى الله عليه وسلم يقول لا تمسون القرآن إلا على وضوء، ما فيه. فلذلك النبي صلى الله عليه وسلم ما يترك شيء للأمة يحتاجون إليه إلا يبينه لهم.
ففي أشياء دقيقة بينها النبي صلى الله عليه وسلم، حتى دخول الحمام بينه النبي صلى الله عليه وسلم كيف تدخل، يعني: ما في شيء إلا بينه وهذا أمر عظيم، فلم يبينه النبي صلى الله عليه وسلم فلنبق عليه. فلذلك هذا الأمر يجوز.
السؤال: هذا كذلك السؤال بالنسبة لصلاة التراويح، في كل ركعة يجوز أن أقرأ دعاء الاستفتاح أو بعد كل ركعتين؟.
الجواب: إذا شرع العبد في أي صلاة، الفرض أو النفل أو صلاة التراويح سوف تتكرر الركعات، فمن السنة أن يقرأ دعاء الاستفتاح. وأنا سألت شيخنا رحمه الله تعالى عن هذا الأمر، فقال: تقرأ دعاء الاستفتاح في كل ركعتين.
السؤال: في كل صلاة يا شيخنا؟.
الجواب: في كل صلاة، من الآن سوف تصلي ركعتين، كلما سلم الإمام وشرع في الركعتين الأخر فتقرأ دعاء الاستفتاح. يعني: في كل صلاة.
السؤال: كذلك بالنسبة عن قراءة الحائض ومسها للقرآن أو الجنب؟.
الجواب: ومسه للقرآن يجوز كما بين ابن حزم والشيخ الألباني وغيرهما من العلماء. ولا في أي دليل، الذي استدلوا أما أحاديث عامة كحديث عائشة وغيره أو أحاديث ضعيفة. ولو في شيء لبينه النبي صلى الله عليه وسلم للأمة، وبينه النبي صلى الله عليه وسلم للنساء، والنبي صلى الله عليه وسلم لا يؤخر البيان عن وقت الحاجة. والنبي صلى الله عليه وسلم بين الأحكام الكبرى والصغرى ولم يدع شيئا، لو في شيء لبينه. والنبي صلى الله عليه وسلم يعلم أن الناس يحتاجون إلى قراءة القرآن ويمسون القرآن كالحائض والجنب والذي عنده الحدث الأصغر. لو في شيء لبينه.
وبينت أنا هذا بالتفصيل ونقد الأحاديث التي استدل بها بعض أهل العلم في كتاب الطهارة من بلوغ المرام، وبينت لكم هذا من قبل.
سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك.