الرئيسية / شرح: نيل الفلاح في صحيح أذكار المساء والصباح (تفريغ) / الجزء (4) نيل الفلاح في صحيح أذكار المساء والصباح: شرح حديث أبي هريرة (اللهم بك أبصحنا وبك أمسينا..) (تفريغ)
2025-12-15
الجزء (4) نيل الفلاح في صحيح أذكار المساء والصباح: شرح حديث أبي هريرة (اللهم بك أبصحنا وبك أمسينا..) (تفريغ)
المتن:
الحديث الثاني: وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أصبح قال: «اللهم بك أصبحنا، وبك أمسينا، وبك نحيا، وبك نموت، وإليك النشور». أي: البعث.
وإذا أمسى قال: «اللهم بك أمسينا، وبك أصبحنا، وبك نحيا، وبك نموت، وإليك المصير».
الشرح:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
وتكلمنا في الدرس الذي سلف عن حديث ابن مسعود رضي الله عنه.
ولعل ندخل في حديث أبي هريرة رضي الله عنه، وهذا حديث صحيح أخرجه أبو داود في «سننه»، والبخاري في «الأدب المفرد»، والنسائي في «عمل اليوم والليلة»، وابن حبان في «صحيحه»، والبغوي في «شرح السنة»، وفي «الأنوار»، وفي «مصابيح السنة»، وابن منده في «التوحيد»، والطبراني في «الدعاء»، وأبو العباس في «البيتوتة»، وغيرهم.
قوله صلى الله عليه وسلم: «اللهم بك أصبحنا»؛ أي: بنعمتك أصبحنا، هذا اعتراف من العبد لله سبحانه وتعالى أن الله سبحانه وتعالى أحياه في الصباح، لأن في أناس -والعياذ بالله- ينامون ولا يستيقظون، ما يستيقظ إلا في قبره عندما يسأل.
فهذه نعمة إذا استيقظ العبد صباحا، هذه نعمة، لأنه ممكن ألا يستيقظ، وانتهت حياته دنيويا، فينتقل إلى حياة البرزخ فيستيقظ هناك. وأهل الكفر ليس لهم إلا التراب يلقمون به، بعد ذلك يستيقظون.
كذلك أهل البدع، ما يستيقظون إلا بالتراب، الآن لو تقول له ما تقول، ما تفيد فيه النذر ولا الآيات، لأنه ليس بمؤمن حقيقة. فأمثال هؤلاء ليس لهم إلا التراب يستيقظون في التراب، بعد ذلك يستيقظ.
ولذلك الإمام أحمد رحمه الله تعالى قال: بيننا وبين أهل البدع الجنائز. إذا كان جنازة يستيقظ الكافر، وإذا كان جنازة يستيقظ المبتدع والعاصي. فالأمر خطير.
فلذلك إذا استيقظ العبد كذلك هو ذاكر لله سبحانه وتعالى: أي بنعمتك أصبحنا ويدعو بهذا الدعاء هذه نعمة عظيمة، كم شخص -والعياذ بالله- يستيقظ على البدعة، وكم من شخص يستيقظ على الكفر، وكم من شخص يستيقظ على المعاصي، وكم من شخص يستيقظ شاربا الخمر بالليل، هذه خسران. فكيف العبد إذا استيقظ وهو يذكر الله سبحانه وتعالى: «أصبحنا وأصبح الملك لله»، كم هذه عند الله سبحانه وتعالى له الأجر العظيم.
وإذا قال: «اللهم بك أصبحنا، وبك نحيا، وبك نموت، وإليك النشور»، هذه نعمة عظيمة إذا قال هذا الدعاء في الصباح وفي المساء.
وبحفظك أصبحنا وبذكرك أصبحنا، هذا معنى: «اللهم بك أصبحنا». والمراد: بسبب نعمتك وحفظك وذكرك وإعانتك أدركنا الصباح، وإلا كم من شخص -والعياذ بالله- نام ولم يدرك الصباح.
وقوله صلى الله عليه وسلم: «وبك أمسينا»؛ أي: بنعمتك أمسينا، وبحفظك أمسينا، وبذكرك أمسينا. هذه أدعية عظيمة لابد على العبد أن يحفظها. والمراد: بسبب نعمتك وحفظك وذكرك وإعانتك أدركنا المساء.
وقوله صلى الله عليه وسلم: «وبك نحيا»؛ أي: باسمك نحيا. وأنت تذكر هذا الدعاء، هذا دعاء عظيم. «وبك نحيا»؛ أي: باسمك نحيا.
وقوله صلى الله عليه وسلم: «وبك نموت»؛ أي: باسمك نموت.
قلت: ويكون في معنى الحال، أي: مستجيرين ومستعيذين باسمك في جميع الأوقات وسائر الأحوال في الإصباح والإمساء والمحيا والممات. ويكون في معنى الحال، أي: مستجيرين ومستعيذين باسمك في جميع الأوقات وسائر الأحوال في الإصباح والإمساء والمحيا والممات، فيستمر حالنا على هذا في جميع الأوقات وسائر الأحوال، فأنت المعين وحدك في الأمور كلها، بيدك كل شيء، ولا غنى لنا عنك طرفة عين. فما يستغني العبد من الله سبحانه وتعالى ولا طرفة عين، ممكن أن يهلك، طرفة عين ممكن أن يهلك، فليكن يعينك الله سبحانه وتعالى.
قلت: وفي هذا من الاعتماد على الله تعالى واللجوء إليه والاعتراف بمنه وفضله ما يحقق للمرء إيمانه، ويقوي يقينه وقلبه، ويحصل بركته سبحانه وتعالى.
قلت: ومعناها أنت تحيينا وأنت تميتنا.
وقوله: «وإليك النشور»؛ أي: الإحياء للبعث يوم القيامة. قلت: للحشر والنشر والاجتماع إلى الله تعالى. يقال: نشره الله؛ أي: أحياه، ومنه قوله تعالى: {ثم إذا شاء أنشره} [عبس: 22]؛ أي: أحياه.
وانظر: «النفح الطيب شرح صحيح الكلم الطيب» للطيار (ص 72).
فهذا الدعاء يتبين من معناه دعاء عظيم، فعلى الناس بحفظه ومعرفته، فيبعث الله سبحانه وتعالى الناس من قبورهم النشور البعث، فيبعث الناس من قبورهم وإحيائهم بعد إماتتهم.
فقوله صلى الله عليه وسلم: «وإليك المصير»؛ المرجع والمآب. كما قال سبحانه وتعالى: {إن إلى ربك الرجعى} [العلق: 8]. يعني: مآل جميع الخلق من إنس وجن ووحوش وحيوانات وسباع وغير ذلك، وطيور وحشرات وما شابه ذلك، كلهم مرجعهم إلى الله سبحانه وتعالى.
والأصل في هذا والمراد للإنس والجن، وإن كان جميع الخلق سوف يحشرون حتى الحيوانات، لكن العبد يقر بذلك في هذا الدعاء، أن العبد يقر بذلك وأنه راجع إلى الله سبحانه وتعالى.
فإذا كان هذا العبد راجع إلى الله سبحانه وتعالى ومآبه إلى ربه العظيم، فلابد أن يتهيأ لهذا اليوم، للقاء الله سبحانه وتعالى، وهو لقاء عظيم، وهو مخيف على أهل الكفر وأهل البدع وأهل المعاصي، وهو أمان وشوق ولابد للمؤمن وللمؤمنين، ولذلك المؤمن لابد عليه ويجب عليه أن يحب هذا اللقاء، لأنه سوف ينعم بلقاء الله سبحانه وتعالى.
أرأيت إذا دعاك رئيس أو حاكم، كيف تتهيأ له وكيف تفرح؟ فما بالك برب العالمين؟ فلابد على الناس أن يتهيأوا وعليهم بطاعته ولا يسوف، ولا يؤجل، ولا يكسل، ولا غير ذلك، ويترك البدع، ويترك الشرك، ويترك المعاصي والأمور المحرمة والأمور التي نهى عنها الله سبحانه وتعالى.
والعبد عليه أن يأتي أمر الله سبحانه وتعالى على قدر استطاعته، بإخلاص النية، ويكون بعلم وعمل صالح، لكي يأمن في هذا اللقاء، لقاء رب العالمين سبحانه وتعالى.
وعلى العبد أن يعمل على قدر استطاعته، فإذا أمر الله سبحانه وتعالى وأمر النبي صلى الله عليه وسلم.
فعلى هذا العبد أن يأتي ما استطاع. وإذا حرم الله شيئا وحرمه النبي صلى الله عليه وسلم، فعلى الناس أن يجتنبوه، ولا يقول على قدر الاستطاعة.
ولذلك بين النبي صلى الله عليه وسلم في حديث أبي هريرة في الصحيحين: «فإذا أمرتكم بأمر، فأتوا منه ما استطعتم، وإذا نهيتكم عن أمر، فاجتنبوه». ما في على قدر الاستطاعة، فيأتي المحرم يقول ماذا أفعل؟ الناس يفعلون. هل يستطيع هذا أن يقول ذلك في لقاء الله سبحانه وتعالى؟
ما يستطيع، فعليك بالطاعة، فالناس ما ينفعونك، وأفعال الناس ليست حجة عند الله، ولا في شرعه، ولا عند النبي صلى الله عليه وسلم. حتى لو كنت لوحدك، عليك ألا تعصي وعليك ألا تبتدع ولا تشرك حتى لو الناس فعلوا ذلك، أنت اثبت على السنة واترك المعاصي واترك المحرمات واثبت على طاعة الله سبحانه وتعالى، لأن مرجع هؤلاء الناس إلى الله، فليكن الأمر بلقاء الله سبحانه وتعالى فيما يرضي الله سبحانه وتعالى، فالأمر خطير جدا.
{إن إلى ربك الرجعى}، فهذا نص قرآني يبين ذلك.
يقول العيني رحمه الله تعالى في «العلم الهيب» (ص131): قوله صلى الله عليه وسلم: «بك أصبحنا»؛ الباء في قوله: «بك أصبحنا»، متعلق بمحذوف، فكأنه يريد بنعمتك أصبحنا، أو بحفظك، أو بذكرك.
وكذلك التقرير في قوله: «وبك أمسينا»، فهذا متعلق بمحذوف، والتقدير: بنعمتك أصبحنا، أو بحفظك أصبحنا، أو بذكرك أصبحنا، وهذا التقرير كذلك «وبك أمسينا»: بنعمتك أمسينا، وبحفظك أمسينا، وبذكرك أمسينا.
فلينتقل العبد من هذه الحياة الدنيا إلى الله وهو من الذاكرين، لأن الذاكرين والذاكرات الله سبحانه وتعالى أعد لهم أجرا عظيما، فليذهب العبد من الذاكرين، أما أن يذهب من الغافلين فهذه مصيبة كبيرة على العبد.
وقوله: يقول العيني صلى الله عليه وسلم: «وبك نحيا»؛ أي: باسمك نحيا، وباسمك نموت، ويكون في معنى الحال، أي: مستجيرين ومستعيذين باسمك في جميع الأوقات وسائر الأحوال في الإصباح والإمساء والمحيا والممات.
وممكن أن ينظر إلى المراجع: «مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح» للقاري (ج4 ص1658)، و«الفتوحات الربانية على الأذكار النووية» لابن علان (ج2 ص86).
ويقول العيني: وقوله صلى الله عليه وسلم: «وإليك النشور»؛ يعني: يوم القيامة والحشر والنشر والاجتماع إلى الله سبحانه وتعالى.
ثم يقول العيني: وقوله صلى الله عليه وسلم: «وإليك المصير»؛ أي: المرجع. هذا آخر كلام العيني.
قلت: وقد جعل النبي صلى الله عليه وسلم قوله: «وإليك النشور»، في الصباح، وقوله صلى الله عليه وسلم: «وإليك المصير»، في المساء؛ رعاية للتناسب والتشاكل. لأن الصباح يشبه النشر بعد الموت، والنوم موت أو موتة صغرى، والقيام منه يشبه النشر من بعد الموت.
فذكر النبي صلى الله عليه وسلم في الصباح: «وإليك النشور»، و«وإليك المصير»، في المساء رعاية للتناسب والتشاكل، لأن الصباح الناس أو العبد نائم، وهذا الموت الصغير أو الموتة الصغرى.
فناسب هذا الدعاء في الصباح: «اللهم بك أصبحنا، وبك نحيا، وبك نموت، وإليك النشور»، ناسب هذا لأن النشور هذا إخراج الناس من البعث يوم القيامة، كذلك النوم موتة صغرى، والقيام منه يشبه النشرة من بعد الموت.
والمساء يشبه الموت بعد الحياة، لأن الإنسان يصير فيه إلى النوم الذي يشبه الموت والوفاة، فكانت بذلك خاتمة كل ذكر.
فالمساء يشبه الموت بعد الحياة، فالمساء الناس ينامون بعد حياة، لأن الإنسان يصير فيه إلى النوم الذي يشبه الموت والوفاة، فكان ذلك الخاتمة مناسبة للصباح وقول النبي صلى الله عليه وسلم: «وإليك النشور»، وفي المساء «وإليك المصير»، وهذا من لطائف وجوامع الكلم للشرع.
ولذلك مما يوضح هذا ما ثبت في صحيح البخاري حديث حذيفة بن اليمان رضي الله عنه: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن ينام قال: «باسمك اللهم أموت وأحيا»، وإذا استيقظ من نومه قال: «الحمد لله الذى أحيانا بعد ما أماتنا وإليه النشور». وهذا يوضح المعنى الأول الذي ذكرناه.
فكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن ينام قال: «باسمك اللهم أموت وأحيا»، وإذا استيقظ من منامه قال: «الحمد لله الذى أحيانا بعد ما أماتنا وإليه النشور». فسمي النوم موتا والقيام منه حياة من بعد الموت.
فهذا دعاء نبوي عظيم وذكر مبارك، يجدر بالمسلم أن يحافظ عليه كل صباح ومساء، ويتأمل في معانيه الجليلة، ودلالته العظيمة، وكيف أنه قد اشتمل على تذكير المسلم بعظيم فضل الله عليه وواسع منه وإكرامه. فنوم العبد ويقظته وحركته وسكنه وقيامه وقعوده إنما هو بالله تعالى، فما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن، ولا حول ولا قوة إلا بالله العظيم.
وانظر: «النفح الطيب شرح صحيح الكلم الطيب» للطيار (ص73)، و«العلم الهيب بشرح الكلم الطيب» للعيني (ص131)، و«دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين» لابن علان (ج4 ص288).
فهذا دعاء عظيم فلا ينبغي للمسلم تركه، وفيه ازدياد الإيمان والتواضع لله وحب الذكر، وغير ذلك مما بينا.
الأسئلة:
السؤال: غير مسموع.
الجواب: بينا، ممكن أن العبد يكتفي بحديث واحد في الصباح والمساء، وإن زاد فهو خير له وأفضل، كلما زاد الذكر كان أجره أعظم. وإذا قرأ هذه الأذكار في المساء والصباح كلها كان أفضل بلا شك وأجر عند الله سبحانه وتعالى. وممكن أن يضع هذه الأحاديث عنده في السيارة أو في البيت أو شيئا مذكرة مثلا في السيارة ومذكرة في البيت لكي يتذكر، وإذا لم يحفظ ذلك فعليه أن يقرأ هذه الأدعية ويصيب الأجر.
سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك.