الرئيسية / شرح: نيل الفلاح في صحيح أذكار المساء والصباح (تفريغ) / الجزء (3) نيل الفلاح في صحيح أذكار المساء والصباح: تتمة شرح حديث ابن مسعود رضي الله عنه (تفريغ)
2025-12-15
الجزء (3) نيل الفلاح في صحيح أذكار المساء والصباح: تتمة شرح حديث ابن مسعود رضي الله عنه (تفريغ)
المتن:
الحديث الثاني: وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أصبح قال: «اللهم بك أصبحنا، وبك أمسينا، وبك نحيا، وبك نموت، وإليك النشور». أي: البعث.
وإذا أمسى قال: «اللهم بك أمسينا، وبك أصبحنا، وبك نحيا، وبك نموت، وإليك المصير».
الشرح:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
وتكلمنا في الدرس الذي سلف عن معاني كلمات حديث ابن مسعود رضي الله عنه. ولعل نكمل...
يقول العيني رحمه الله تعالى في «العلم الهيب» (ص127)؛ عن هذا الحديث - حديث ابن مسعود رضي الله عنه -: (وفي هذا الحديث دليل على استحباب الدعاء والاستعاذة من هذه الأشياء ونحوها، وهذا هو الصحيح وعليه إجماع العلماء في الأمصار).
فهذا الدعاء يستحب وهو فيه استعاذة من هذه الأمور التي ذكرناها، وينبغي على المسلم أن يحافظ على هذه الأدعية وهذه الاستعاذة من هذه الأمور لأنها مهمة جدا. ولعل العبد بإهمالها يتضرر كثيرا في حياته بسبب هذه الأمور، ولم يكن من يحصنه ويحفظه لأن الله سبحانه وتعالى هو الذي يحفظ العبد كما بينت لكم.
ويقول القاري رحمه الله تعالى في «مرقاة المفاتيح» (ج4 ص1651): (في الحديث إظهار العبودية والافتقار إلى تصرفات الربوبية، وأن الأمر كله خيره وشره بيد الله تعالى، وأن العبد ليس له من الأمر شيء، وفيه تعليم الأمة ليتعلموا آداب الدعوة -يعني: آداب الدعاء-).
فهذا الحديث حديث عظيم، قل من يفهم هذا الدعاء وأمثاله. فهذا الدعاء فيه إظهار العبودية لله سبحانه وتعالى والافتقار إلى الله سبحانه وتعالى وهو الرب، وأن الله سبحانه وتعالى هو الرب المتصرف في الخلق. والأمر من خير وشر كله لله سبحانه وتعالى، فهذا الاعتقاد. والعبد ليس له من الأمر شيء في هذه الحياة الدنيا، فبينت لكم أن هذا العبد بيد الله سبحانه وتعالى، بل الكون هذا والخلق في السماوات وفي الأرض وما بين ذلك كلهم بيد الله سبحانه وتعالى.
فلذلك على الناس التواضع لله جملة وتفصيلا.
يقول القاري: (وفي تعليم الأمة) (يعني: آداب الدعاء). كيف كان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو الله سبحانه وتعالى، وما فيه من الآداب والتوقير والتعظيم لله سبحانه وتعالى، وما فيه من تواضع العبد لله ولربه. خلاف أهل البدع وأهل الجهل ما يعرفون كيف يدعون الله سبحانه وتعالى.
بل حتى هؤلاء الأئمة في رمضان في دعاء القنوت يدعون بأشياء منكرة، بل من الشرك ومنكرات وبدع. ما يعرفون كيف يدعون الله سبحانه وتعالى ويتضرعون إليه. فيقعون في أشياء.
وممكن الإمام يخطئ ويقول مثلا: عليك بأنفسنا، والذي خلفه يقول: آمين. ما يدرون ماذا يقول. فلذلك يوجد أشياء كثيرة سمعناها، شيء من الشرك، شيء من البدع، وأشياء مكررة. وليست هذه الأدعية في الكتاب ولا في السنة، فقط هذا يسمع ويقول، وهذا يسمع ويقول، فالكل يسمع ويقولون. فهذا يقلد هذا وهذا يقلد هذا حتى لو بقي هؤلاء خمسين سنة أو ستين سنة نفس الشيء. فهؤلاء ليسوا على الكتاب والسنة في الدعاء.
وحتي أن بعض الطائفة من الصوفية المبتدعة إلى ترك الدعاء (يعني: لا يدعون الله)، يقولون: أن الأفضل ترك دعاء الله سبحانه وتعالى - وهذه طائفة تقول بهذا - بزعمهم استسلاما للقضاء (أن الله سبحانه وتعالى قضى عليهم ذلك فلا حاجة إلى الدعاء فيستسلمون).
لكن هؤلاء يتواضعون بجهل ويستسلمون بجهل ليس بعلم. حتى التواضع والتوقير والتعظيم وآداب الدعاء لابد أن يكون على الكتاب والسنة، لابد. استسلاما للقضاء وهذا باطل للأدلة بالأمر بالدعاء {ادعوني أستجب لكم} [غافر: 60]. والنبي صلى الله عليه وسلم ما أكثر دعوات النبي صلى الله عليه وسلم. فعلى الناس الاتباع.
ويقول شيخنا الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله تعالى في «شرح رياض الصالحين» (ج 4 ص18): (فالمبتدع وإن ذكر الله، وإن سبح، وإن حمد، وإن صلى على وجه ليس بمشروع، فعمله مردود عليه. قد يزيد الشيطان للإنسان عبادة فيلين قلبه ويخشع ويبكي، ولكن ذلك لا ينفعه إذا كان بدعة).
فلذلك ما أكثر الذين يذكرون الله، سواء في المساجد أو في الخطب أو في الكتب أو في الأشرطة، لكن هذه الدعوات كلها باطلة، ليست على الكتاب ولا السنة فهي مردودة.
فلذلك يقول الشيخ: فالمبتدع وإن ذكر الله وسبح وحمد الله مردود عليه لأن يذكر الله ليس على طريقة أهل السنة والجماعة. فممكن يلين تراه قلبه، وممكن يبكي أمامك وما شابه ذلك، لكنه مبتدع ولا ينظر إليه ولا يعتد به، ولا ينفعه هذا الذكر ولا هذا الدعاء.
وما أكثر المبتدعة الذين يدعون الله خاصة في الكوارث، في النوازل، فيقنتون وما شابه ذلك، نرى الأمور تزيد والكوارث تزيد ما ترتفع؛ لأن غالب هؤلاء الذين يدعون الله سبحانه وتعالى في النوازل من الخوارج المبتدعة. ولا فوق هذا يضعون لنا يصلي بنا شخص مبتدع الاستسقاء، تكاد أن تنزل علينا حجارة بدل المطر، ولم نرى المطر إلى الآن. فلذلك لماذا؟
فلذلك لابد الحرص على دعاء أهل السنة وتمكين أهل السنة في النوازل وفي الدعوات والقنوت والخطب والإمامة وما شابه ذلك لكي الله سبحانه وتعالى ينزل علينا البركات - بركات السماوات والأرض - وإلا فلا. وهذا الأمر يبينه شيخنا الشيخ محمد بن صالح العثيمين: وإن صلى على وجه ليس بمشروع فعمله مردود عليه. وهذا الأمر مهم والشيطان يزيد لبني آدم.
وقول النبي صلى الله عليه وسلم قال ذلك – أي: ما يقول في المساء أيضا لكن يقول بدل أمسينا وأمسى الملك لله، أصبحنا وأصبح الملك لله، ويبدل اليوم بالليلة. فيقول: «اللهم إني أسألك من خير هذا اليوم»، ويذكر الضمائر بعده التي بيناها في الدرس الذي سلف.
وانظر: «مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح» للقاري (ج4 ص1652).
هكذا يستحب للمسلم إذا أصبح: أصبحنا وأصبح الملك لله والحمد لله لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، رب أسألك خير ما في هذا اليوم وخير ما بعده، وأعوذ بك من شر ما في هذا اليوم وشر ما بعده، رب أعوذ بك من الكسل وسوء الكبر، رب أعوذ بك من عذاب في النار وعذاب في القبر.
فلابد الدعاء، ولا ينسى العبد ولا يغفل ولا يكون من الغافلين عن الذكر وعن هذه الأدعية، وأن يتعوذ من عذاب النار لأن من دخل النار أخزاه الله، ومن دخل الجنة أعزه الله، فالأمر خطير جدا.
قلت: وهذا دعاء نافع وذكر عظيم وورد مبارك يحسن بالمسلم أن يحافظ عليه كل صباح ومساء تأسيا بالنبي صلىالله عليه وسلم واقتداء بهديه القويم.
قلت: وإنما دعا النبي صلى الله عليه وسلم بهذه الدعوات وتعوذ بهذه التعويذات إظهارا للعبودية وبيانا للمشروعية ليقتدى بدعواته ويتعوذ بتعويذاته صلى الله عليه وسلم. وانظر: «المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم» للقرطبي (ج7 ص35).
فعلى المسلم أن يتعوذ بتعويذات النبي صلى الله عليه وسلم، فيتعوذ أيضا بالتعوذ المطلق فيقول: اللهم إني أعوذ بك من العجز والجبن والبخل، ومن قلب لا يخشع، ومن نفس لا تشبع.
وتعلق النفس بالآمال البعيدة، لأن في أناس ينشغل بهذه الآمال إلى أن يموت ولا يفعل شيئا. فلابد على النفس أن لا تتعلق بهذه الآمال، عليه أن يعمل لله في دنياه وفي دينه، ولا يترك دنياه ويعمل للدين فيفسد عليه دنياه ودينه، وعليه أن لا ينسى نصيبه من الدنيا. ولا يفعل كفعل الصوفية الذين هدموا دنياهم ودينهم. وعلى الإنسان أن يجمع بين الدنيا والدين على كتاب الله وسنة النبي صلى الله عليه وسلم، هذا هو الأصل. والله سبحانه وتعالى كتب على الناس ذلك.
* «وتعلق النفس بالآمال البعيدة ومن دعوة لا يستجاب لها»، ومن الطمع، ويتعوذ من فتنة الدنيا والحرص عليها، وفتنة الفقر والغنى. كذلك يتعوذ من هذه الأمور، لأن هذه الأمور كذلك خطرة جدا على الناس.
ممكن يكون فقيرا ويرى نفسه أنه لا شيء في هذه الدنيا وينظر إلى الناس عندهم مثلا من الأموال أو شيئا من ذلك، فبزعمه يترك الدين ويعجز -والعياذ بالله- ويهلك. هذه بسبب ماذا؟ فتنة الفقر.
كذلك يتعوذ من فتنة الغنى، ممكن أن يكون فقيرا فيفتنه الله سبحانه وتعالى بكثرة المال، فيتفاجأ فإذا عنده أموال كثيرة، فينفتن فيترك الدين ويظل مثلا بهذه الأموال ينميها ويتاجر فيها ويذهب هنا وهناك ويترك دينه ويفتتن بالنساء وما شابه ذلك فيهلك. وهذا الذي يحصل من بعض الفقراء ومن بعض الأغنياء، إلا من رحم الله سبحانه وتعالى.
فكذلك (يعني: يتعوذ من الطمع)، لأن ممكن أن يفتتن، فيبتلى بالطمع، على ما يعطيه الله سبحانه وتعالى فيطمع. كلهم دائما ليس عنده شيء، ليس كذا ليس كذا، فيهلك بالطمع. كما حال أهل البدع الرافضة، على ما عندهم وكله ما عندهم. فلذلك هذا بعد أمور خطيرة.
ومن البخل، عنده من الأموال ما عنده ولا ينفق شيئا على الدين، وممكن لا ينفق حتى على نفسه أو عياله أو أهله حتى دينارا واحدا. فيبتلى، فالناس يبتلون بهذه الأشياء، فإن وقعوا فيها -والعياذ بالله- هلكوا. فلذلك لابد المسلم الحق ينتبه لهذه الأمور.
وخاصة «من نفس لا تشبع»، مشكلة كبيرة هذه. فيتعوذ منها -والعياذ بالله-، لأن النفس هذه فيها شهوة وفيها شهوانية، إذا ما تكون منضبطة مع الدين تهلك. تهلك مع النساء -والعياذ بالله-، مع المال، مع الشهوات، مع البطن والأكل والشرب والسهر وضياع الوقت وما شابه ذلك، كل هذه الأمور خطيرة.
ولذلك انظر إلى أهل الكفر، اذهب إلى بلدانهم ترى العجب العجاب، كيف هلكوا هؤلاء؟ بالشهوانية وفي النساء وفي المال والأكل والشرب، شهوات، شهوانية -والعياذ بالله-، هلكوا.
وأهل البدع كذلك، انظرهم كيف يركضون خلف الأموال، خاصة في هذه الأيام، والشهرة والمركز وما شابه ذلك. ويقولون الكذب للناس ويفترون على الله ويفترون على الرسول صلى الله عليه وسلم بالكذب من أجل دنياه، ومن أجل أن يصل إلى شهوته -والعياذ بالله-، فهذا هو الهلاك. لكن السني، من أهل السنة، ما يكون كذلك، لابد أن ينتبه لهذه الأمور.
وكذلك يتعوذ من سوء القضاء أن الله سبحانه وتعالى يقضي فيه أمرا يهلك فيه، هذه مشكلة كبيرة. لأن من هلك في الدنيا والآخرة، والعبد سوف يرى الندامات والأمور يوم القيامة.
وكيف هؤلاء الشهوانية يندمون يوم القيامة فيحمد الله أن لم يكن قضاء الله سبحانه وتعالى عليه بذلك، لأن هؤلاء وقعوا في هذه الأمور بسبب أنفسهم وما كسبت أيديهم. فالعبد دائما يتذكر هذه الأمور ولا يغفل في هذه الحياة الدنيا لأن الغفلة مصيبة، فلا يكون هذا العبد من الغافلين يوما من الأيام.
ومن «سوء القضاء»؛ أي: سوء الخاتمة، «وشماتة الأعداء» يتعوذ العبد من ذلك. «ومن جهد البلاء»؛ يعني: مشقة البلاء، يبتلى العبد، لعل يكون شاق عليه، ممكن أن يترك هذا الدين، يترك الصلوات.
فيتعوذ من مشقة البلاء وأن الله سبحانه وتعالى ييسر له ذلك ويفرج عنه. فدائما يكون في دعوات، في صلاته، في ليله، في صباحه، في مسائه، وهكذا.
وانظر: «المنهاج في شرح صحيح مسلم ابن الحجاج» للنووي (ج17 ص41).
سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك.