الرئيسية / شرح: نيل الفلاح في صحيح أذكار المساء والصباح (تفريغ) / الجزء (2) نيل الفلاح في صحيح أذكار المساء والصباح: شرح حديث ابن مسعود: (أمسينا وأمسى الملك لله.....) (تفريغ)
2025-12-15
الجزء (2) نيل الفلاح في صحيح أذكار المساء والصباح: شرح حديث ابن مسعود: (أمسينا وأمسى الملك لله.....) (تفريغ)
المتن
الحديث الأول: عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: كان نبي الله صلى الله عليه وسلم إذا أمسى قال: «أمسينا وأمسى الملك لله، والحمد لله، لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، رب أسألك خير ما في هذه الليلة وخير ما بعدها، وأعوذ بك من شر ما في هذه الليلة وشر ما بعدها، رب أعوذ بك من الكسل، وسوء الكبر، رب أعوذ بك من عذاب في النار، وعذاب في القبر». وإذا أصبح قال ذلك أيضا: «أصبحنا وأصبح الملك لله».
وفي رواية: «اللهم إني أعوذ بك من الكسل والهرم، وسوء الكبر، وفتنة الدنيا، وعذاب القبر».
وفي رواية أخرى: «ومن سوء الكبر، أو الكفر».
الشرح:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
وتكلمنا في الدرس الذي سلف عن مسألة هامة وهي مسألة الأحاديث الضعيفة التي بسببها انتشرت الأذكار والأدعية الضعيفة، وبينا أن المسلم يجب عليه أن يعتمد على الأحاديث الصحيحة في الأذكار والأدعية؛ لأن الأحاديث الصحيحة هي المعتمدة في الشرع، والنبي صلى الله عليه وسلم أتى بذلك، وهي من سنة النبي صلى الله عليه وسلم، ولا يجوز رواية الأحاديث الضعيفة في الأذكار والأدعية، فليس لأحد أن يسن للمسلمين نوعا من الأذكار والأدعية تقليدا لما في الكتب دون أن يتثبت من صحتها؛ لأن هذا الأمر لا يجوز شرعا.
ولا يقال كما يقال أن هذه الأحاديث الضعيفة تروى في الترغيب والترهيب، فإن الأحاديث الصحيحة تغني عن الأحاديث الضعيفة، فالأحاديث الصحيحة هي المعتمدة في الترغيب والترهيب.
وبينت لكم قول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى في «الفتاوى» بقوله: (لا ريب أن الأذكار والدعوات من أفضل العبادات، والعبادات مبناها على التوقيف والاتباع لا على الهوى والابتداع، وليس لأحد أن يسن للناس نوعا من الأذكار والأدعية غير المسنون، ويجعلها عبادة راتبة يواظب الناس عليها كما يواظبون على الصلوات الخمس، بل هذا ابتداع دين لم يأذن الله به).
فلذلك أهل البدع يعتمدون على الأحاديث الضعيفة في الأذكار والأدعية وينشرونها في المساجد وعن طريق الخطب وعن طريق الكتب أو الأشرطة أو الصحف، وهم الصوفية، فهؤلاء لا يعتمدون عليهم في شرع الله سبحانه وتعالى.
وبينا أن يجب على العبد أن يعتمد دائما وأبدا على الأحاديث الصحيحة، فإذا لم يعلم فعليه أن يسأل أهل العلم عن هذه الأحاديث قبل أن يعمل بها في الدين؛ لأن العبد مؤاخذ، ولا يقبل الله سبحانه وتعالى إلا ما ثبت في السنة الصحيحة، أما ما يبتدع الناس أو الشخص فلا يعتمد به عند الله سبحانه وتعالى.
وبين النبي صلى الله عليه وسلم كما في حديث عائشة في الصحيحين: «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد».
وفي رواية: «من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد».
حتى هذا العبد لو عمل أعمالا كالجبال فالله سبحانه وتعالى لا يراها شيئا ولا يعطيه لهذه الأعمال وزنا، فالله سبحانه وتعالى يجعلها هباء منثورا ولا يبالي.
فلذلك يجب على الناس الاعتماد على ما ثبت في السنة.
ولذلك نبدأ بشرح الحديث الأول من أذكار المساء والصباح، وبينت لكم أن ما ذكرت في نيل الفلاح في صحيح أذكار المساء والصباح ما صح من أذكار المساء والصباح، وحذفت كل الأحاديث الضعيفة التي تروى على ألسنة الناس وأنها ضعيفة لا تعتمد.
فحديث ابن مسعود رضي الله عنه قال: كان نبي الله صلى الله عليه وسلم إذا أمسى قال: «أمسينا وأمسى الملك لله....». إلى آخر الحديث.
وقوله: «إذا أمسى»؛ أي: إذا دخل في المساء، يعني إذا دخل النبي صلى الله عليه وسلم في المساء أو المساء دخل فكان النبي صلى الله عليه وسلم يقول هذا الدعاء كما سوف يأتي شرحه.
فيقول النبي صلى الله عليه وسلم: «وأمسى الملك لله»؛ أي استمر دوام الملك لله تعالى. كما أنه إذا دخل الصباح يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «أصبحنا وأصبح الملك لله»، كذلك استمر دوام الملك لله.
فبينت لكم، هذا الكون وجميع الخلائق الذين في السماء والذين في الأرض والذين بين ذلك، كلهم بيد الله سبحانه وتعالى، ما في أحد يحيا ويموت إلا بمشيئته، ولا أحد يعمل عبادة أو غير ذلك إلا بمشيئته. فيجب أن يكون اعتقاد العبد هذا الأمر.
والعبد له اختيار، له اختيار لكن هذا الاختيار بمشيئته، ولذلك قلنا ما دام هذا الأمر العظيم بيد الله سبحانه وتعالى، فيجب على العبد أن يخلص هذه الحياة وهذا الدين لله سبحانه وتعالى، فلا يستطيع أن يذهب يمنة ولا يسرة إلا بالله سبحانه وتعالى.
فعلى العبد أن يعبد الله سبحانه وتعالى على علم وعلى عمل صالح ويخلص النية لله سبحانه وتعالى، سواء في دنياه أو في آخرته أو في دينه، فيكون كل ذلك لله سبحانه وتعالى.
ومعناه: دخلنا في المساء ودخل فيه الملك كائنا لله ومختصا به، وهذا بيان لحال القائل، أي عرفنا وأقررنا بأن الملك لله، والحمد له لا لغيره، فالتجأنا إليه وحده واستعنا به وخصصناه بالعبادة والثناء إليه والشكر له.
فالعبد يعترف ويقر أن الملك لله سبحانه وتعالى، وأن الله سبحانه وتعالى له الملك في الدنيا والآخرة، فإذا اعتقد العبد ذلك هان عليه الأمر وسار في العبادة وسار في هذا الدين ويعبد الله سبحانه وتعالى على علم وعلى بينة إلى أن يتوفاه الله سبحانه وتعالى، لكن إذا اعتقد العبد خلاف ذلك، وأن الأمر بيده هو، يفعل ما يشاء ويحيا وما شابه ذلك، فهذا سوف يفرط في جنب الله سبحانه وتعالى ويفرط في الحق ويفرط في الدين، فسوف يسعى في هذه الدنيا بضلال، ويضرب يمنة ويسرة إلى أن يهلك، كما هو حال أهل الكفر وكما هو حال أهل البدع، يظنون أنهم مستقلين.
فالأمر ليس كذلك، فيفعلون ما يشاؤون، من المحرمات ومن الباطل ومن المنكرات والمعاصي وما شابه ذلك، فلذلك هلكوا.
لكن إذا يعتقد هذا العبد أن الله سبحانه وتعالى ربه وأنه فوقه وينظر إليه ويراقبه ويسمعه، فلا يستطيع أن يفعل شيئا إلا يعرف أن هذا عبادة وأن هذا خير ليس شر، فيحاسب نفسه.
فلذلك لابد من هذا الاعتقاد.
والعبد جعل هذه العبادة له سبحانه وتعالى والثناء عليه والشكر له، فلذلك يوجد أناس من ضعف إيمانهم يشكرون الخلق ولا يشكرون الخالق. فالشكر أولا لله سبحانه وتعالى ثم للمخلوق إذا أحسن إليك وأنعم إليك شيئا.
ولهذا أعلن بعد ذلك إيمانه وتوحيده، فالعبد عندما أقر أن الملك لله سبحانه وتعالى والحمد، بعد ذلك أعلن عن الإيمان والتوحيد هذا العبد.
فقال كما في الحديث: «لا إله إلا الله وحده لا شريك له». فإذا كان كذلك فالإله المعبود الحق هو الله، فلماذا هذا العبد يعبد الحجر؟ ويعبد الأصنام؟ ويعبد الشجر؟ ويعبد مخلوق؟ ويعبد القبور ويذهب إلى أهل القبور ويستغيث بهم ويطوف عليهم؟ فكيف ذلك والله سبحانه وتعالى هو المعبود الحق؟ وهؤلاء هم المشركون، والله سبحانه وتعالى لا يقبل منهم أي عمل؛ لأن هؤلاء أشركوا وإن صلوا وصاموا وحجوا، لكن مع هذا الشرك فلا يقبل الله سبحانه وتعالى منهم شيئا.
فلابد إذا أقر العبد بذلك أن الله سبحانه وتعالى هو الإله وحده لا شريك له، فهو المعبود بحق، فلا يجوز لأي عبد أن يطوف إلى القبور أو يعبد القبور أو غير ذلك كما هو حاصل في بعض البلدان، يحجون إلى القبور ويطوفون إليها ويستغيثون بها ويطلبون منهم المدد، بل منهم من يطلب المدد من النبي صلى الله عليه وسلم وهو ميت صلى الله عليه وسلم! فالمدد والدعاء إلى الله سبحانه وتعالى، {ادعوني أستجب لكم} [غافر: 60]، فلماذا تذهب إلى مخلوق؟ فلا يجوز دعاء ولا عبادة لا نبي ولا رسول ولا ملك ولا إنس ولا جن ولا قبر ولا غير ذلك.
وهذا اعتقاد أهل السنة والجماعة، فلابد من تصديقه، فإن فعل الناس في بلدانهم ذلك أمنوا، وحل الأمن والسكينة وغير ذلك، فإن استبدلوا أصحاب البلدان عبادة القبور وغير ذلك، فالله سبحانه وتعالى يرفع الأمن عنهم، وتكون بينهم الخلافيات والشقاق والفوضى كما هو حاصل في بعض البلدان، بسبب عبادة القبور والبدع والشرك، وأصبحت هذه المشاكل وذهب الأمان.
فلذلك على الناس إن أرادوا الأمان فعليهم بعبادة الله وحده ونبذ الشرك ونبذ البدع، فالله سبحانه وتعالى ينزل عليهم الأمن والأمان، حتى لو أراد جماعة أو بلد بهم شرا، فالله سبحانه وتعالى يعاقبه، {وكفى الله المؤمنين القتال} [الأحزاب: 25]، فالله سبحانه وتعالى يحفظهم، والله سبحانه وتعالى هو الذي يدافع عن المؤمنين، فلذلك على الناس تطبيق التوحيد والإيمان.
* «لا إله إلا الله وحده لا شريك له»؛ أي: المعبود بحق إلا الله، ولما أقر هذا العبد لله بالوحدانية تبع ذلك بالإقرار له بالملك، إذا هو الإله فهو المالك ولابد، والحمد والقدرة على كل شيء.
* فقال: «له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير». فلابد أن يكون اعتقاد العبد ذلك، أن الله سبحانه وتعالى على كل شيء قدير، ولا يحصل أي شيء على هذا الكون أو على هذه الأرض إلا بمشيئته، سواء من شر أو خير، فهو بمشيئة الله سبحانه وتعالى.
وإذا لم يكن في أي بلد أو على أي شخص أو أي جماعة ليس عليها أي شر، ثم أصابها هذا الشر، فهذا من الله سبحانه وتعالى، كتب عليهم ذلك. فعليهم هنا أن يتضرعوا إلى الله ويوحدوا الله سبحانه وتعالى ويتركوا المعاصي والبدع والشر وما شابه ذلك، إلى أن الله سبحانه وتعالى يرفع عنهم هذا الأمر.
أما إذا لجأوا إلى المخلوقين وبقوا على ما هم عليه من المخالفات الشرعية، فالمشاكل تزداد، والفتن تزداد في البلد، وممكن أن تذهب بالكلية، أن الله سبحانه وتعالى يأخذ هذا البلد بالكلية يذهب بها، كما حال الأمم السالفة منهم من ذهبت ومنهم من بقت، فكذلك في هذا الزمان في بلدان الله دكها بالكلية ما في أحد، وبلدان بقت على ما يفعل الناس، والله سبحانه وتعالى بين كل شيء للناس، فعليهم بالاتباع، وعليهم بالتوحيد.
فالملك كله لله وبيده ملكوت كل شيء، والحمد كله له ملكا واستحقاقا، وهو سبحانه وتعالى على كل شيء قدير، فلا يخرج عن قدرته شيء، ما في، ما أحد يستطيع أن يخرج عن قدرة الله سبحانه وتعالى، إذا كان كذلك فهو العظيم فهو المعبود بحق، فعلينا بعبادته، حتى لو حصل شيء في البلد، فالله سبحانه وتعالى عاقب بلدة.
فلنكن على التوحيد، ولنثبت على التوحيد، والناس يبعثون على نياتهم، فالله سبحانه وتعالى يخسف بأولهم إلى آخرهم حتى الصالح منهم إذا كثر الخبث، وبين النبي صلى الله عليه وسلم ذلك كما في حديث سلمة في صحيح البخاري، فيبعث أناس من أهل التوحيد.
فالأمر خطير جدا خاصة في هذه الأيام، والفتن تترى على الناس إلى قيام الساعة تترى على الناس، والعقاب لمن يستحق العقاب وما شابه ذلك، فعلى الناس الاتباع.
وانظر: «العلم الهيب في شرح الكلم الطيب» للعيني (ص١٢٦)، و«دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين» لابن علان، (ج 4 ص٢٦٠)، و«مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح» للقاري (ج 4 ص1151).
قوله: «أسألك خير ما في هذه الليلة»، هذا في المساء، وإذا أراد العبد أن يدعو الله سبحانه وتعالى في أذكار الصباح فليقل: «أسألك خير ما في هذا اليوم»، وفي هذا اليوم إذا بدأ بالصباح، وإذا المساء يقول: «أسألك خير ما في هذه الليلة». وخاصة في الليل تنتشر الشرور وينتشر الجن والشياطين، وفيهم أضرار، خاصة الصغار.
لذلك النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا غربت الشمس فاحفظوا أولادكم»، في البيوت؛ لأن الشرور والجن والشياطين ينتشرون في هذا الوقت، ففي هذه الأذكار الله سبحانه وتعالى يحفظك من شرور هؤلاء. فلا ينسى العبد أذكار المساء والصباح بشرط أن تكون هذه الأذكار الصحيحة.
والخيرات التي تحصل في هذه الليلة من خيرات الدنيا والآخرة، فيدعو العبد في المساء بالخير، مع هذا فيه شر، فالله سبحانه وتعالى يحفظك.
أما خيرات الدنيا فيحصل الأمن والسلامة وطوارق الليل، والحوادث التي تكون بالليل، وشرور الجن والإنس مثل الذين يسرقون وما شابه ذلك، فبني آدم هذا ما يعلم إلا ما علمه الله، فلا يعلم ما في الغيب.
فيتعوذ من ذلك ويسأل الله سبحانه وتعالى أن يحفظه، فالله يحفظك من أشياء لعل تهجم عليك شر وأنت ما تدري، فالله يحفظك وأنت سائر في حياتك ولا تدري بهذه الشرور، لو الله سبحانه وتعالى ما حفظك أصابك هذا الشر، لكن تدعو الله فلا يصيبك الشر، حتى لو قرب منك كجني مثلا أو شيطان أو ما شابه ذلك.
فأمر الأذكار مهم جدا، كذلك حصول الأمن والأمان والسلامة، فبلدان قامت فيها حروب وما شابه ذلك بالليل والناس ما يدرون، أو بالنهار والناس ما يدرون، فالناس يسألون الله سبحانه وتعالى بذلك. هذا خيرات الدنيا.
وأما خيرات الآخرة فيحصل التوفيق لإحياء الليل بالعبادة والصلاة والتسبيح وقراءة القرآن وغير ذلك من العبادات.
وانظر: «النفح الطيب شرح صحيح الكلم الطيب» للطيار (ص٧٠)، و«دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين» لابن علان (ج 4 ص٢٦٠)، و«مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح» للقاري (ج 4 ص1151)، و«العلم الهيب في شرح الكلم الطيب» للعيني (ص١٢٦).
وقوله: «وخير ما بعدها»؛ أي: خير هذه الليلة وخير ما بعدها، أي: وأسألك خير ما بعد هذه الليلة، أي الخيرات التي تعقب هذه الليلة، فالله سبحانه وتعالى يرزقك هذه الخيرات، وخاصة حصول البركات في الشخص وفي بيته وفي أهله وفي رزقه وفي أمواله، فالدعوات هذه مهمة جدا.
وقوله: «من الكسل»، وهو عدم انبعاث النفس للخير مع ظهور الاستطاعة، فلا يكون معذورا، بخلاف العاجز فإنه معذور لعدم القوة وفقدان الاستطاعة.
فالكسل متعوذ منه هو التثاقل عن الطاعات وعن السعي لتحصيل المصالح الدينية والدنيوية والحاجة إليها.
فأنت تدعو الله سبحانه وتعالى أن يزيل عنك الكسل ويرفع عنك الكسل؛ لأن الكسل مصيبة كبيرة على الإنسان، ممكن بسببه تذهب عليه دنياه وآخرته، ويتسلط عليه الشيطان وتتسلط عليه الشهوات وشياطين الإنس بسبب كسله فيردوه ويهلك.
فلذلك الكسل هذا عدم انبعاث النفس للخير، فادعو الله سبحانه وتعالى أن يرفع عنك الكسل، والكسل وهو عدم انبعاث النفس للخير مع ظهور الاستطاعة، وهو يستطيع لكنه كسلان، فلذلك كم شخص يترك الصلاة بسبب الكسل، أو مثلا قيام الليل صلاة التراويح بسبب الكسل، وعبادات أخرى بسبب الكسل، أو يؤجل أموره الدنيوية إلى غد بسبب الكسل فتذهب عليه هذه الدنيا ولا يحصل على الشيء، ويقول لأهله غدا سوف نأتي بهذا وهذا أمر مهم للبيت، فيذهب فإذا انتهى بسبب الكسل.
فلذلك على العبد أن ينشط لدنياه وآخرته، والكسل مصيبة كبيرة، ولذلك النبي صلى الله عليه وسلم كان يدعو بذلك، وهذا دعاء عندك، فمادام النبي صلى الله عليه وسلم دعا وذكر هذا الأمر فهذا الأمر مهم جدا أن يدعو العبد بذلك، وأن يرفع عنه الكسل والعجز.
والنشاط في الحقيقة يأتي للعبد بأمور كثيرة ويستفيد في دنياه وفي آخرته، والكسل مهلكة، فعلى الناس أن يدعوا الله سبحانه وتعالى أن يرفع عنهم الكسل.
وقوله: «وسوء الكبر»، بكسر الكاف وفتح الباء، أراد به ما يورثه الكبر وهو كبر السن، من ذهاب العقل والتخبط في الرأي وعدم الفهم وشرود الذهن وغير ذلك، مما يسوء بالإنسان من اختلال الحواس وعدم الضبط وعدم الفهم والعجز عن كثير من الطاعات، فسوء الكبر إذا كبر الشخص عجز عن أمور كثيرة.
فيدعو الله سبحانه وتعالى أن لا يوصله إلى كبر السن وهو الخرف وما شابه ذلك، فلا يستطيع يفهم ولا يسمع، ويعجز عن الطاعات ويتخبط في الكلام وما شابه ذلك.
فدعا به النبي صلى الله عليه وسلم فأنت تدعو به، مادام النبي صلى الله عليه وسلم أتى به فعليك بذلك، وأمره مهم للعبد، أما إذا كان العبد لا يبالي بذلك لعله يصيبه الخرف ومصيبة كبيرة، وممكن الشخص ليس عنده من يقوم بأمره كما حال البعض، فليس له إلا الموت أو هذه الرعاية العجزة.
فلذلك هذا الأمر مهم، دعا به النبي صلى الله عليه وسلم فعلى العبد.
ولذلك عليه -أي هذا الأب- أن يتحرى بالأولاد وبتربيتهم التربية الصالحة وتعليمهم هذا الأمر ابتداء لكي يقوم بأمره إن أصابه هذا الأمر.
ولذلك وجدنا الأولاد الكثر قائمين بآبائهم في سن هذا الكبر، فعلينا بهدي النبي صلى الله عليه وسلم.
وقوله: «الهرم»، مصدر هرم من باب تعب، إذا كبر سنه وضعف. وهذا الأمر واضح.
«وسوء الكفر»؛ أي: سوء عاقبة الكفر، ويحتمل أن يكون المراد بالكفر أيضا كفر النعمة، فيتعوذ بسوء الكفر.. مثل شخص مسلم وكفر والعياذ بالله، لأن هذا ما عندهم تحرز لهذه الأدعية والأذكار، لم يهتدي بهدي النبي صلى الله عليه وسلم، وتهاون ولا يهتم بدينه، كثير من الناس لا يهتمون بدينهم فيقعون في هذه المهالك.
فلذلك على العبد أن يدعو الله سبحانه وتعالى بذلك، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو الله سبحانه وتعالى.
وانظر: «العلم الهيب في شرح الكلم الطيب» للعيني (ص١٢٦)، و«ذخيرة العقبى في شرح» للعلامة الإثيوبي (ج 39 ص406)، و«المفهم» للقرطبي (ج7 ص51، و«إكمال المعلم» للقاضي عياض (ج8 ص217)، و«إكمال إكمال المعلم» للأبي (ج 9 ص127)، و«مكمل إكمال الإكمال» للسنوسي (ج9 ص127)، و«الفتوحات الربانية على الأذكار النووية» لابن علان (ج2 ص101).
ولعل نكتفي بهذا.
سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك.