القائمة الرئيسة
الرئيسية / أحكام اللعن / الجزء (1) أحكام اللعن: مقدمة في أحكام اللعن (تفريغ)

2025-04-11

صورة 1
الجزء (1) أحكام اللعن: مقدمة في أحكام اللعن (تفريغ)

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله، وصحبه أجمعين.

وسنتكلم في هذا الدرس عن مسائل في اللعن وأحكام اللعن، واللعن في اللغة: الإبعاد والطرد من الخير، والطرد والإبعاد من الله سبحانه وتعالى، ومن الخلق السب والدعاء.

فاللعن من الله سبحانه وتعالى الإبعاد والطرد، ومن الخلق السب والدعاء، فمثلا يقول هذا العبد عن هذا الرجل الذي يستحق اللعن: الله يلعنك، اللهم العنه، فعند الخلق السب والدعاء. واللعن من الله سبحانه وتعالى الإبعاد والطرد، وأصل اللعن في اللغة الإبعاد والطرد من الخير.

واللعنة الاسم والجمع لعنات ولعان، ويقال: ولعنه يلعنه لعنا طرده وأبعده، ويقال: رجل لعين وملعون، واللعين الشيطان، وهذه صفة غالبة أن يطلق على الشيطان، لأن الشيطان أو إبليس طرد من السماء، وأبعده الله سبحانه وتعالى من رحمته.

واللعن في الشرع هو: الإبعاد والطرد من رحمة الله سبحانه وتعالى، فإذا قلنا أن اللعن في الشرع هو الطرد والإبعاد من رحمة الله فهذا جزء من جزئيات المعنى اللغوي، لأن اللعن في اللغة الإبعاد والطرد من الخير، واللعن في الشرع الطرد والإبعاد من رحمة الله سبحانه وتعالى، فمن لعنه الله فقد طرده وأبعده عن رحمته واستحق العذاب.

وبين أهل العلم أن الأعمال التي لعن على فاعلها هي من كبائر الذنوب، وهي كبيرة، فالنبي صلى الله عليه وسلم ثبت عنه أنه كان يلعن آكل الربا، يعني الربا من كبائر الذنوب.. وهكذا، فالأعمال التي لعن فاعلها هي تعتبر من كبائر الذنوب وهي كبيرة، وبين بعض أهل العلم أن كل ما نهى الله عنه فهو كبيرة، وكذلك ما يترتب عليها حد أو توعد الله عليها بالنار، فلذلك على العبد أن ينتبه لهذا الأمر، ويترك الأمور التي نهى عنها الشارع وفيها وعيد وفيها لعن وغير ذلك، لأنه توعد الله سبحانه وتعالى فاعلها بالعذاب والنار، فلينتبه وإن كانت هذه معاصي إن شاء الله عذب هذا العبد وإن شاء غفر له لكن الشخص له وعيد وهو في خطر عظيم، ممكن ألا يكون من أهل الغفران فيعذب والعياذ بالله- على هذه الكبائر، وهذا الذي بينه ابن عباس رضي الله عنهما وغيره من الصحابة، وكذلك الإمام أحمد وغيره من الأئمة.

ولذلك الله سبحانه وتعالى يقول: ﴿إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم وندخلكم مدخلا كريما﴾ [النساء: 31]، فعلى العبد أن يجتنب الكبائر من الذنوب، لأنها في الحقيقة تكون خطيرة عليه، وعلى العبد أن يسعى في فعل الطاعات والحلال والأوامر، ويجتنب الكبائر وما نهى الله سبحانه وتعالى عنه، لكي يكفر الله عنه ما يقع منه من ذنوب وسيئات، فإذا الله سبحانه وتعالى كفر عنه فسوف يدخله الجنة بإذنه سبحانه وتعالى.

وفي هذه الآية فلا يستحق هذا الوعد، والنهي إلا الذي وقع في هذه الكبائر وهذه المنهيات، وكذلك العبد إذا يجتنب هذه الكبائر ويجتنب المخالفات فالله سبحانه وتعالى يحفظه ألا يقع في هذه المنهيات التي تجر عليه البدع والمخالفات، وممكن أن يدخل فيه المخالفات الكبرى والبدع الكبرى فيهلك، فتصيبه والعياذ بالله لعنة الله سبحانه وتعالى ولعنة الملائكة ولعنة الناس، ويهلك.

وفي الحقيقة اخترنا هذا الموضوع وهو في الحقيقة مهم جدا؛ لأمور.

الأمر الأول: أن اللعن من أشد المحرمات التي حرمها الله سبحانه وتعالى، ومن الكبائر التي توعد فاعلها أشد وعيد، فاللعن أمره خطير، فلا بد أن يكون بضوابط شرعية، ولكي لا يقع في هذا الأمر يلعن من لا يستحق اللعن، ويرمي اللعن حتى على الأطفال، حتى على هذا وذاك ولا يهتم، فيصيبه اللعن، لأن الشخص إذا لعن شخصا ولم يكن ملعون الشخص الآخر ولا يستحق اللعن لعله من الصالحين ومن المسلمين، فإذا لعنه هذا الشخص وكان لا يستحق اللعن رجع اللعن عليه، فيكون هو ملعونا والعياذ بالله-، فلذلك الأمر خطير، وهذا اللعن من كبائر الذنوب فلا يرميه الشخص هكذا جزافا ولا يهتم، يلعن هذا ويلعن هذا خاصة إذا غضب. مثل تلك العجوز تجلس تلعن تلعن طقها عنصوص قالت الله يلعنك وهذا في القديم يعني، من كثرة ما تلعن حتى الجمادات تلعنها، ولذلك العوام يلعنون الجمادات من الغضب، حتى الأطفال وما لهم دخل في أي شيء يلعن هذا الطفل ويلعن هذا الطفل، وهذا أمر خطير.

الأمر الثاني في اختيار هذا الموضوع مسألة أحكام اللعن: جهل الكثيرين من الناس بأحاديث اللعن، فيجهلون أحكام اللعن، ولا يعرفون أحاديث اللعن، فترى هذا يأكل الربا وهذا يزني وهذا كذا، ويفعلون أشياء كثيرة وكلها فيها وعيد وفيها لعن، فلذلك يفعلون هذه الكبائر ولا يهتمون ولا يخافون، فلعل هذا الشخص يأتي يوم القيامة وهو ملعون والعياذ بالله-، فيتساهلون في أمر المحرمات والمنكرات والفسق والفجور، فالأمر خطير جدا، فلو هؤلاء العامة تفقهوا في أحاديث اللعن وعرفوا خطورة اللعن ما أقبلوا على فعل الكبائر كالربا وغير ذلك.

الأمر الثالث الذي جعلنا نختار هذا الموضوع: كثرة مستحقي اللعنة، لأننا نعيش في زمن كثر فيه الإقدام على الأعمال التي لعن فاعلها الله سبحانه وتعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم، وكثر المروجون لها كالربا وشرب الخمر والزنا وقطيعة الرحم وتشبه الرجال بالنساء وتشبه النساء بالرجال وغير ذلك، لماذا؟ لأن هؤلاء لم يتفقهوا في أحكام اللعن، ويعلمون خطورة هذا اللعن، فلا بد على المسلم أن يتفقه في أحاديث اللعن، ومعرفة المنهيات التي وقع عليها الوعيد واللعن لكي يعرفها ويجتنبها، ولذلك كثير من الناس يتعاملون بالمعاملات الربوية ولا يهتم، بل يعمل في الوظائف الربوية ولا يهتم على أن هذا رزق وهذا معاش وما شابه ذلك، وهو ملعون، كاتب الربا ملعون، ومن يتعامل بالربا ملعون، والشاهد على الربا ملعون، كلهم ملعونين، وما أكثرهم، ولا يهتم، ويؤكل أولاده الحرام زوجته وهو ويمشي وهو ملعون في هذه الدنيا، لأن هذا ما سعى ليحصل الإيمان ويقوي إيمانه ويقوي قلبه ودينه على ذلك فيحس بالخوف من الله سبحانه وتعالى، فيترك هذه الأمور، وما في إلا من رحم الله سبحانه وتعالى، ولا يسألون عن المعاملات، ما أكثر من يتعاملون في التجارات هذه والمعاملات المحرمة وما في أحد يسأل، بل يفعل وحسب، المهم أنها تدر عليه أموالا وهذا غلط، هذا غلط، ما يعرفون هذا الأمر، ما في ورع، فلا بد على العبد أن يتفقه.

الأمر الرابع: شيوع اللعنة على ألسنة كثير من الناس حتى أنها أصبحت لديهم عادة دارجة على الألسن، تطلق في مواضع الهزل والجد، ويطلقون اللعن على من لا يستحق، حتى وصل الأمر إلى رمي الأطفال باللعن والصغار، وما ذلك إلا لضعف القلوب وضعف الإيمان وسفاهة الأحلام، وعدم معرفة الإسلام والالتزام به والالتزام بسنة النبي صلى الله عليه وسلم ومنهج الصحابة، لو كان هؤلاء يعرفون هذا الأمر لما فعلوا هذا الأمر.

وهناك أحاديث كثيرة في اللعن:

منها حديث ثابت بن الضحاك رضي الله عنه وكان من أصحاب الشجرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من حلف على غير ملة الإسلام فهو كما قال.... إلى أن قال: ومن لعن مؤمنا فهو كقتله، ومن قذف مؤمنا بكفر فهو كقتله» أخرجه البخاري في «صحيحه»، ومسلم في «صحيحه».

 ففي هذا الحديث نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن لعن المؤمن، ليس بالسهل أن يأتي الشخص ويلعن، وخاصة أهل البدع من الصوفية والرافضية والإباضية والداعشية، وكذلك التراثية والإخوانية يلعنون المسلمين خاصة أهل السنة والجماعة، لماذا؟ لأن هؤلاء يخالفونهم، بل يرمونهم بالكفر، وبأشياء أخرى كما لا يخفى عليكم من التشويش وغيره، لأنه ليس منهم، فالنبي صلى الله عليه وسلم قال: «ومن لعن مؤمنا فهو كقتله»؛ فالأمر خطير، فلا بد من ضوابط للعن يعرفها المسلم خاصة السلفي، لا بد يعرف هذه الضوابط لكي يرمي اللعن على من يستحقه، كما كان السلف يلعنون بضوابط، وهناك آثار.

والحديث الثاني: حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا ينبغي لصديق أن يكون لعانا».

 أخرجه مسلم في «صحيحه»، وأحمد في «المسند»، فالمسلم الصادق ما ينبغي أن يكون لعانا، يمشي ويلعن، وأي غضب يلعن، لأن هذا الأمر خطير جدا، وفيه نهي من النبي صلى الله عليه وسلم عن اللعن.

والحديث الثالث: حديث أبي الدرداء رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن اللاعنين لا يكونون شهداء ولا شفعاء يوم القيامة».

 أخرجه مسلم في «صحيحه»، وأبو داود في «سننه»، وأحمد في «المسند»، فهذا يبين أن اللعن ما يجوز، وليس هؤلاء بشهداء ولا شفعاء يوم القيامة، فالأمر خطير جدا.

كذلك الحديث الرابع: حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال: «لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم فاحشا ولا لعانا ولا سبابا»، فالنبي صلى الله عليه وسلم ما يكون فاحش في الكلام ولا لعان ولا يسب، مثلما نسمع الآن، سواء في البيوت أو الوظائف أو الطرق أو ما شابه ذلك، فيرمون الكلام الفاحش على الناس، يلعنون، يسبون، وهؤلاء ابتعدوا عن دين الله سبحانه وتعالى، فوقعوا في هذه المخالفات، وحديث أنس هذا أخرجه البخاري في «صحيحه».

الحديث الخامس: حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قيل يا رسول الله، ادع على المشركين، قال: «إني لم أبعث لعانا وإنما بعثت رحمة»، أخرجه مسلم في «صحيحه»، فالناس يطلبون من النبي صلى الله عليه وسلم أن يدعو على المشركين، لكنه صلى الله عليه وسلم كان يدعوهم، كان يبين لهم، فالنبي صلى الله عليه وسلم كان يدعو لهم بالهداية، فبين النبي صلى الله عليه وسلم وقال: «إني لم أبعث لعانا وإنما بعثت رحمة»، فهذا هو الأصل، وهذا على سبيل العموم وإلا سوف يثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم لعن من يستحق اللعن، لكن على سبيل العموم هكذا أي ناس تلعنهم لا، لا بد الشخص أن ينظر إلى سنة النبي صلى الله عليه وسلم، ومتى يلعن، لأن ممكن أنت عندك أناس خمسة أو ستة من المخالفين وأن هؤلاء ممكن أن يهتدوا وممكن أن يلتزموا وممكن أن يتوبوا فلا تلعنهم، ادعهم، وهكذا.

والحديث السادس: حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه في قول النبي صلى الله عليه وسلم عند ما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في أضحى أو فطر إلى المصلى فمر على النساء فقال: «يا معشر النساء تصدقن، فإني رأيتكن أكثر أهل النار، فقلن: وبم يا رسول الله؟ قال: تكثرن اللعن وتكفرن العشير...»، وهذا الحديث أخرجه البخاري في «صحيحه»، ومسلم في «صحيحه»، فتكفرن العشير: أي تجحدن حق الزوج، وتكثرن اللعن هكذا مطلقا تعصب، تغضب، فتلعن، وهكذا.

وهذه الأحاديث تبين لنا النهي عن اللعن مطلقا، ويأتينا اللعن الخاص على الذي يستحق حتى اللعن المعين، لكنه ما يجوز ولا ينبغي للمسلم أن يطلق اللعن هكذا جزافا بدون ضوابط، ولا ينظر إلى الدعوة ولا إلى الدين، لا، بل لا بد أن ينظر إلى الناس وإلى دعوتهم، وإلى رحمتهم، حتى لو يضرونه، لو يؤذونه، يصبر ما دام هو يدعو الناس.

فمن الذي يستحق أن يوجه إليه اللعن ومن الذي لا يستحق؟ .

عندنا الأمر الأول: لعن المسلم المصون، وهذا مما أجمع على تحريمه وعدم جوازه،  للأحاديث الكثيرة في النهي عن اللعن، منها كما مر حديث ثابت بن الضحاك رضي الله عنه مرفوعا: «لعن المؤمن كقتله»، فالمسلم الملتزم خاصة العلماء والمشايخ وطلبة العلم، والمسلم الملتزم بدينه هذا ما يجوز لعنه. وسبحان الله، المبتدعة من الداعشية وغير ذلك يلعنون أهل السنة، وهذا ما يجوز بإجماع العلماء، وهذا يدل على أن هؤلاء هم الملعونون، وقد نقل الإجماع على التحريم النووي في الأذكار، والذهبي في الكبائر أنه لا يجوز لعن المسلم الملتزم بدينه بالكتاب والسنة والآثار، فلا يجوز نهائيا، ولا يأتي شخص ويقول: يستحق، لا، أنت والله من يستحق، ما دام قال هكذا وهو معروف بالاستقامة فهو يستحق اللعن.

الأمر الثاني: اللعن بالأوصاف العامة للذين يستحقون، مثل لعنة الله على الظالمين، ولعنة الله على الفاسقين، ولعنة الله على الكاذبين، ولعنة الله على الفسقة، ولعنة الله على المبتدعة، وغير ذلك من أوصاف العموم، يعني على الكفار، على الملحدين، على المبتدعين، على الفساق المعاندين الذين يفسدون البلد بأنواع الفساد، على المبتدعة الحزبية، من الإخوانية والتراثية والسرورية والصوفية والربيعية والإباضية، والرافضية وغيرهم، على سبيل العموم لأن هؤلاء يستحقون اللعن، لكن ما في تعيين، سيأتي كيف يلعن المعين، الشخص باسمه، ومن الذي يعين هذا؟ ولا بد من أهل العلم، فاللعن بالأوصاف العامة يجوز، لعنة الله على الظالمين أو على الكافرين.... وهكذا، فهذا جائز لا خلاف فيه، لأن الله سبحانه وتعالى قد لعن الظالمين والفاسقين والكاذبين بدون تعيين، وكذلك الرسول صلى الله عليه وسلم لعن السارق وآكل الربا والراشي بدون تعيين أحدا بعينه، وقد نقل الإجماع على جواز اللعن بأوصاف العموم ابن العربي في أحكام القرآن، وكذلك الهيتمي في الزواجر، على سبيل العموم.

الأمر الثالث: لعن الكافر المعين، وفيه ثلاث حالات.

نكمل الدرس القادم إن شاء الله-.   


جميع الحقوق محفوظة لموقع الشبكة الأثرية
Powered By Emcan